جلبت العولمة الأنانية الاقتصادية ما يهدد العالم بمزيد من الفقر لأن الفجوة تتسع بين دول الشمال ودول الجنوب، بل تتزايد الاتهامات بين الطرفين الصناعي والنامي والفقير. دول الشمال تتهم دول الجنوب بالتخلف والرجعية والاتكالية بينما تتهم دول الجنوب دول الشمال بالهيمنة على ثرواتها واحتكار التكنولوجيا والمعرفة التي تعد من مصادر الرفاهية والثراء. تحاول دول الشمال إرغام دول الجنوب على تبني قيم الانحطاط الحضاري والأخلاقي التي تتبناها معظم دول الشمال.
والجدير بالذكر أن فلاسفة التاريخ الإنساني يتوقعون نهاية العولمة بمواجهة كارثية عندما لا تتحقق أهدافها، حيث أن لكل بداية نهاية. وقد تنتهي العولمة على يد الذين يروجون لها عندما تتناقص وتتضارب مصالحهم مثلها مثل الفلسفات الاقتصادية الأخرى كالماركسية والماوية وحتى الرأسمالية التي يعتبرها البعض الأفضل والأقوى، لكنني أرى فيها الظلم الاجتماعي عندما تسيطر نسبة تبلغ أقل من 1% من السكان في الولايات المتحدة على الثروة على سبيل المثال. ولقد استشهدت بالولايات المتحدة الأمريكية لأنها تتزعم العالم الرأسمالي الذي تنادي دوله بالكثير من المثل العليا التي لا تطبقها. وقد قلت في السابق إن العولمة جنة الأذكياء وفردوسهم ومقبرة الأغبياء وجحيمهم لأنهم لا يملكون مقوماتها المنافسة وسيبقون كذلك ما داموا يفقدون الحس أو الذكاء الإستراتيجي الذي يساعدهم على تحديد مكانتهم بين الآخرين من خلال تطوير قدراتهم ومهاراتهم التنافسية.
وحقيقة فإنني أعتبر العولمة الوجه الذكي الجديد للاستعمار القديم، خاصة أنها تحاول تفتيت الحدود السيادية للدول من خلال اتفاقيات المنظمات الدولية التي وقعت عليها الدول الأعضاء. وهذا واضح بلا شك في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي يساندها على وجه الخصوص كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تحرص الولايات المتحدة على توجيه العالم من خلالها. العولمة العادلة هي تلك التي يجد فيها الغني والفقير فرصته عندما تتوافر لهما عناصر النجاح من معرفة وتقنية ورأس مال عالمي يستثمر لرفاهية الإنسان مهما كان لونه ودينه وأصوله العرقية، لكن المعطيات تشير إلى أن الرفاهية الاجتماعية لم تحقق بعدالة للدول النامية والفقيرة بعكس ما يصدر عن الدول الصناعية من معلومات غير صحيحة عن مساهمتها في تنميتها.
ولقد استنزفت الشركات الغربية العابرة للقارات موارد وثروات الدول النامية والفقيرة بذريعة التكامل الاقتصادي العالمي والنفاذ إلى الأسواق العالمية من خلال عضوية منظمة التجارة العالمية ومنظمات دولية استثمرتها الدول الصناعية لخدمة كياناتها العملاقة. الخطر الذي تشكله رباعية القوة يزيد يوما بعد يوم كلما زادت حاجة الدول العظمى للموارد الخام الضرورية للطاقة والاقتصاد. وأقصد برباعية القوة كلا من منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة الأمم المتحدة التي أثبتت فشلها الذريع في حل الكثير من النزاعات الدولية وتحقيق السلام العالمي العادل. وما ملامح فشل جولة الدوحة إلا الدليل الواضح على هيمنة الدول العظمى على منظمة التجارة العالمية.
كلية الأعمال KFUPM
@dr_abdulwahhab