وحتما بتغير شكل الصياغة، سيتبعه بالضرورة تغير في شكل الإجابة ومساراتها وغاياتها.
هذه الملاحظة المبدئية، أراها مدخلا مهما قبل التطرق إلى ما يعنيه السؤال السابق، وأهميتها تكمن في سببين، أولهما إتاحة القدرة على تتبع المعاني وإظهارها حين يتم تفجير السؤال من خلال تغيير شكل صياغته بطرق لغوية مختلفة، مما يفتح الموضوع على أبعاد تحليلية ملهمة، وأفكار إبداعية ثرية وعميقة.
أما ثانيهما فهو تمتين الجانب النظري من التفكير عند النظر في أي فكرة مطروحة للنقاش، لا سيما أن التفكير النظري سند حقيقي ورافعة قوية في ترسيخ الفكر المؤثر على متلقيه ومحيطه، خصوصا إذا ما تعلقت الفكرة بمجالات معرفية وحياتية متعددة تتصل بالمستقبل.
عموما بالعودة إلى السؤال نفسه، يمكن النظر إليه وبالتالي الإجابة عنه من خلال خصوصية الفرد في علاقته بمستقبله، ولا أظن أن هناك شخصا في الحياة لم يفكر أو يهجس أو يقلق بشأن مستقبله، فالشاب المقبل على الحياة بعنفوانه وطموحه ورغباته لا يغيب عن ذهنه شكل الحياة التي يرغب أن يكون عليها، وبالتالي نراه يسعى وفق ما يرغب لتحقيق شكل مستقبله، سواء فشل فيما يرغب فيه أو حلم به أو نجح وحقق طموحه، وهذا أمر طبيعي ومشروع في كل المجتمعات والثقافات.
لكن هناك جانبا من السؤال يتعلق بشقه الاجتماعي، وهو الأكثر أهمية حين يتم ربطه بالمجتمعات العربية في لحظتها الراهنة.
فكلنا يعرف المسارات المنغلقة على المستقبل، التي انتهت إليها هذه المجتمعات، وكلنا يعرف أيضا الأسباب السياسية والاقتصادية والتاريخية والاجتماعية والدينية التي أفضت فيها بالنهاية إلى تلك المسارات.
ربما لا ينفصل الجانب الفردي عن الجانب الاجتماعي في تأثير كل منهما على الآخر، وذلك فيما يتصل تحديدا بالمستقبل.
لكن الكثير من الباحثين تطرق إلى هذه الأسباب وعواملها المختلفة وحللها، وأعطى كل واحد منهم مقترحات وحلولا، وفق مرجعياته وتخصصاته الاجتماعية الثقافية أو النفسية الدينية أو التاريخية السياسية.
رغم كل هذه الاجتهادات المتنوعة، سواء على مستوى النخب المثقفة، أو النخب السياسية التي امتلكت يوما ما القرار السياسي، إلا المسارات التي ظلت مغلقة وعصية على الاختراق لم تنفذ إلى المستقبل سواء على مستوى الدولة أو المجتمع.
في مثل هذه الحالة، يكون الأمر طبيعيا، فإذا استعصى عليك المستقبل، فإن حاضرك يكون مملوءا بالماضي، وبالتالي تكون مقترحاتك في الحياة تأتيك من الماضي سواء كانت هذه المقترحات على شكل قيم دينية أو تربوية أو شكل علاقات اجتماعية منظور منها إلى الآخر.
وحتى ندرك حجم الاستعصاء، الذي وصلنا إليه كمجتمعات عربية مقارنة بالآخرين في التوجه إلى المستقبل سأعطي المثل التالي:
لو تأملنا مستقبل البشرية على كوكب الأرض، والأزمات المرتبطة به والمتولدة عنه كالاحتباس الحراري على سبيل المثال، أو تلوث البيئة وأثرها على الصحة، أو مقاومة أسلحة الدمار الشامل، أو تعاظم الأمراض المستعصية، أو تفشي الفقر، أو انعدام العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وغيرها، فإن حجم الاهتمام في إيجاد الحلول الكفيلة بالخروج من هذه الأزمات، لم يسهم فيه العرب عبر مؤسساتهم الرسمية، ولو بأقل القليل، فهم في الغالب الأعم، إما مشغولون في الصراع على السلطة، وإما مشغولون بتوريث الأحقاد والعصبيات لأبنائهم التي توارثوها عبر التاريخ، والنتيجة بالتالي نلوم الغرب على تخلفنا الذي في جانب كبير منه نحن صنعناه بأيدينا.