رحلة النخلة ومسيرتها ودلالة وصولها تتمثل في ثمرة السخاء والعطاء وبركة الشموخ والأصالة، التمرة، بوصفها الركن الأساسي والجزء المقابل والطرف الآخر من حكاية القهوة السعودية، وباعتبارها أثر من رمزية راسخة في تشكيل هوية الوطن والزوادة والضيافة والكفاية، تحضر من خلال فعالية "مهرجان تمور بريدة" طوال أيام شهر أغسطس الحالي بتنظيم من فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة القصيم وبالتعاون مع إمارة المنطقة والأمانة، وشراكة استراتيجية من هيئة فنون الطهي عبر عدد من الفعاليات الثقافية المستوحاة من التمر والمعبرة عنه بقوالب جاذبة ومتنوعة، وذلك في مركز النخيل بمدينة بريدة المسجلة كواحدة من المدن الإبداعية في مجال فنون الطهي في شبكة اليونسكو للمدن المبدعة.
هيئة فنون الطهي من خلال "مهرجان تمور بريدة" تحقق امتداداً لمبادرتها الخاصة بدعم المزارعين المحليين وإقامة أسواق محلية لبيع منتجاتهم بشكل مباشر في ثلاث مدن حول المملكة (الرياض، الطائف، الأحساء) خلال عام 2021، لتكمل مشوارها عبر خطوة تقدم فيها تجربة مبتكرة في التعامل مع المهرجانات وتوظيفها لخلق حالة من الحراك الملهم وفق اختصاصها ونطاق عملها، بهدف تسليط الضوء على منطقة بريدة وتاريخ التمر بالمملكة، وبناء مستقبل يعتز بالتراث ويفتح للعالم منافذ جديدة ومختلفة للإبداع والتعبير الثقافي، وكذلك ازدهار المملكة بمختلف ألوان الثقافة والتي تثري حياة الفرد وتسهم في تعزيز الهوية الوطنية، إلى جانب تطوير تجربة ثقافية فريدة لسياح وزوار مدينة بريدة بشكل خاص والمملكة بشكل عام، ونهاية بتمكين وتشجيع القطاع الثقافي السعودي بما يعكس حقيقة ماضينا العريق.
قيمة "مهرجان تمور بريدة" تتجلى في كونه نموذجاً ثقافياً متنوعاً يناسب مختلف الأعمار وكافة أطياف المجتمع المحلي بما فيهم المزارعين والتجار إلى جانب السيّاح والمهتمين بالتمور من مختلف دول العالم، وعطفاً على أنه الأكبر من نوعه ومشكلاً تظاهرة اجتماعية واقتصادية وزراعية موسمية، وفي الوقت نفسه وجهة ومقصداً لبيع العديد من أصناف التمور المختلفة تتجاوز 45 صنفاً من أبرزها ما تمتاز به القصيم "السكري والبرحي والشقراء والصقعي"، ويأخذ أبعاداً حيوية بفضل الفعاليات الثقافية المختلفة في أقسام المهرجان أو العروض والمعارض، والتي ترتكز على تفعيل الأثر والوصول إلى الرضا عند كل زائر للمهرجان من خلال ستة مقومات وهي سهولة الوصول، الحفاوة والترحيب، حسن الإرشاد، التسلسل والترابط، التشويق والابهار، الهدايا.
دخول إلى الطبيعة وتجول بين العناصر الثقافية جسدته هيئة فنون الطهي في "مهرجان تمور بريدة" عبر الأجنحة والأقسام المختلفة بوجود جناح المزارعين والمنتجات العضوية "خضار، فواكه، ورقيات، زيوت عضوية، عسل"، وأجنحة الأسر المنتجة "أكلات شعبة بالتمور، مأكولات خفيفة، ايسكريم بالتمور، فواكه مجففة"، كذلك أجنحة الحرفيين بالتعاون مع هيئة التراث "مجسمات بيوت الطين، حياكة السدو، سجاد، حقائب، خطاط"، بالإضافة لورش الطبخ، ركن الأطفال لتعليم الزراعة والرسم، جناح التصوير، الطهي الحي والتذوق، منطقة الأطفال، جناح عام القهوة السعودية، الضيافة وحمس القهوة وعرض طرق تحضيرها، ومنفذة جميعها بهوية واحدة تعكس الفكرة الإبداعية لمفهوم المهرجان بكافة أبعاده.
ومثلما تتشكل مزارع النخيل من أحواض متناسقة وبأحدث طرق الري والتي جعلت من القصيم فريدة وساحرة، فإن العناية بالنخلة حتى تنضج الثمرة ويحين قطاف التمرة هي علاقة يومية وحالة من الألفة، لذلك فإن انعكاس "مهرجان تمور بريدة" المستدام يتمثل في بث حوافز للبذل ورعاية النخلة وتسويق المنتجات السعودية سواء التمور أو الصناعات الناتجة عنها، وفي التفاعل وتناقل الخبرات بين المزارعين بعضهم البعض وطرق التسويق وتطوير التجربة من البذرة وحتى التمرة، وأنه مقتبس من أرض النخيل والعلاقة الوطيدة المديدة بين الإنسان والمكان عبر تأثير كل منهما في الآخر وتأثره به.