ولتقريب الفكرة أكثر، دعوني أستعِد طرفة هي أقرب للحِكمة، تدور قصتها حول نمر، وقردٍ يرتدي طاقية، فكلما رآه النمر ضربه، وقال له: «لماذا تلبس طاقية»، وفي يوم من الأيام قال الأسد للنمر: يجب ألا تفعل ذلك بدون سبب، ابحث عن سبب مُقنع لضربه، مثلًا اطلب منه أن يجلب لك تفاحة، فإذا أتى بتفاحة حمراء فاضربه، وقل له أنا طلبتها خضراء وهكذا، وفعلًا في اليوم التالي طلب النمر من القرد أن يحضر له تفاحة، فسأله القرد: «حمراء أم خضراء»، فثار غضب النمر وضربه قائلًا: «لماذا تلبس طاقية!»، خلاصة القصة هي بالفعل تحكي واقعنا هذا اليوم، مبرر الإملاءات الدولية غير مُقنِع، فيغلّف بصور الديموقراطية والحرية؛ ليمرّر إجبارًا على العالم.
للأسف يتناسى الغرب أن حقوق الإنسان واضحة، وأنها أحيانًا تطبّق في تلك الدول التي يراها الغرب أقل منه، أفضل مما يطبّق في بلدانهم! فلو تابعنا معدلات الجريمة، ونِسَب الأمان تجدها سيئة لديهم مع حرصهم على تلميع جهودهم في حفظ الحقوق والحريات، وبالتأكيد على قوتهم الأمنية، وأنها تفوق العالم، لكن العكس صحيح والأرقام والإحصاءات توضح أن معدلات الجريمة والعنف ضد المرأة والاغتصاب مرتفعة جدًّا في تلك الدول التي تتشدق بالحريات والديموقراطية، وتستخدمها سلاحًا للسيطرة على غيرها، إذن.. أين الخلل، ومن على صواب ومن على خطأ.
الاختلاف سِمة البشر، وفرض الرأي بالقوة هو جزء من فرض الرأي القسري، وضد الحريات والديمقراطية، فليس صحيحًا أن ما تراه صحيحًا هو كذلك بالفعل، أعتقد أنه يجب على الغرب ترك الاستفزاز للشعوب تحت ذرائع الحريات، والاعتراف بفكرهم وسيادتهم، وبناء جسور من التفاهم، وليس جيوشًا وعقوبات وحربًا إعلامية، لا مصلحة لها سوى نشر الفكر السلبي عن الآخر، والأحقاد والأكاذيب.
وأخيرًا.. طالما نشرت الولايات المتحدة «على سبيل المثال» تقارير ضد دول دعمتها برأي لأقوى جهاز استخبارات في العالم «سي آي أي»، وأن أي تقرير يصدر من هذا الجهاز مُنزَّه عن الخطأ! طبعًا إذا كان في قضايا الضد فقط، ولكنه تناسى أن هذا الجهاز أخطأ في عدة تقارير كانت منها ذريعة لغزو العراق، وفشله في حل لغز اغتيال الرئيس كنيدي الذي يقارب 60 عامًا دون تحديد المسؤول!!
وهنا قضايا أخرى فشل هذا الجهاز في حلها أو أخطأ، وهو نفسه عجز عن إيجاد حل لمشاكل الجريمة المرتفعة في بلاده والحد منها!.