لغة التهديدات من بكين تصاعدت، وهو ما أكده "وانج وين بين" المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، اليوم، قائلاً: "تواطؤ تايوان مع القوى الخارجية بهدف الاستقلال، وتصاعد الاستفزازات سيؤدي إلى تسريع زوالها ودفع تايوان إلى هاوية الكارثة".
تأتي هذه الأحداث عقب زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، إلى العاصمة التيوانية تايبيه الأسبوع الماضي، في الوقت الذي ردت الصين فيه بمجموعة من التدريبات العسكرية الضخمة حول جزيرة تايوان
واستنكرت الولايات المتحدة وحلفاؤها مثل اليابان هذه التدريبات، وأعربت مجموعة الدول السبع الصناعية عن قلقها، كما استدعت بريطانيا السفير الصيني تشنج تسيغانج للرد على تصرفات بكين تجاه تايبيه.
إلى أين تتجه أزمة تايوان؟
إذًا، ما هي السيناريوهات المتوقعة لنتائج هذه التوترات؟ هل نحن بصدد حربًا بين الصين وتايوان ومن يدعمها، أم سيمر الأمر دون تدخل عسكري؟
التدريبات العسكرية الصينية هذا الأسبوع غير مسبوقة في نطاقها وقربها من جزيرة تايوان، ولكن يبدو أن قادة الصين يتجنبون الاحتكاك العسكري المباشر في الوقت الراهن، ووفقًا لتقارير إعلامية صينية، فإن بكين تدرس الموضوع بعناية تجنبًا لأخذ خطوة متسرعة.
التدخل العسكري الصيني في تايوان حتى الآن محل شك، فقد قال "جوزيف وو" وزير خارجية تايوان، الثلاثاء، إن بكين تستخدم التدريبات العسكرية للتحضير لغزو تايوان، بينما نفى كولن كال وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للسياسة، أن الصين ستغزو الجزيرة في العامين المقبلين.
يرى جون كولفر، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في حديثه لموقع " grid news" الأمريكي؛ أنه لا يوجد دليل على اتخاذ قرار صيني باستخدام القوة ضد تايوان، مؤكدًا أن بكين لم تتخذ قرارًا حتى الآن لكنها لا تستبعد التدخل العسكري.
ماذا تنتظر الصين لشن الحرب؟
يبدو أن القيادة الصينية تدرك جيدًا عواقب استخدم التدخل العسكري، نظرًا لخطورة الأمر والأضرار التي يمكن أن تعانيها، فمع قوتها العسكرية الكبيرة، فإن جيش التحرير الشعبي لم يخوض حربًا منذ عام 1979 عند غزو فيتنام.
يؤخذ في الحسبان أيضًا، الخسائر التي يمكن أن تلحق بالجيش الصيني أثناء عبور مضيق تايوان، لأن التدخل العسكري البرمائي يعد من أكثر العمليات العسكرية صعوبة في الحرب.
وفي حال نجاح الصين بغزو تايوان، قد تجد بكين نفسها أمام مواجهة تمرد مسلح طويل الأمد، بما له من خسائر نظرًا لطبيعة تايوان الجبلية.
موقف أمريكا العسكري تجاه تايوان
لعل التساؤل الأبرز فيما يتعلق بالأزمة الصينية التايوانية، ماذا ستفعل أمريكا حال تدخل الصين عسكريًا في تايوان؟
تنتهج الولايات المتحدة سياسة "الغموض الاستراتيجي" تجاه هذه الاحتمالية، فلم تستبعد احتمال تدخلها المباشر للدفاع عن تايوان، كما أنها لم تبدي رغبتها في الرد العسكري.
سيناريو المواجهة العسكرية بين الصين وأمريكا يبدو كارثيًا على العالم، مع وجود القواعد الأمريكية العسكرية في المحيط الهادئ، وسهولة تدخلها في أي وقت دفاعًا عن تايوان، مما يعرض هذه القواعد لتصبح في مرمى نيران جيش التحرير الشعبي.
الصينيون يمكنهم التعامل مع القوات العسكرية التايوانية بمفردهم، لكن سيتغير الأمر مع دخول قوة عظمى مثل الولايات المتحدة، في سيناريو يحمل عواقب كارثية للجميع.
لن تقبل الصين الهزيمة في حرب كهذه، مما يجعله قد تستخدم جميع الوسائل الممكنة لتحقيق الانتصار، وهو ما قاله يون سون، مدير برنامج الصين في مركز ستيمسون البحثي: "إذا خاضت بكين حربًا من أجل تايوان وخسرت، فسيكون لديها مشكلة كبيرة في البقاء على قيد الحياة".
كم ستصمد تايوان حال وقوع الحرب؟
تايوان هي القطعة الناقصة في معادلة "الصين الواحدة" منذ عام 1949، عندما شكلت القوات القومية الفارة من الحرب الأهلية الصينية حكومة مستقلة في الجزيرة.
في ذلك الوقت عجزت الصين عن ضم تايوان بالقوة، نظرًا لضعف بكين العسكري، لكن الأمر الآن مختلف خاصة مع النزعة الانفصالية لقيادات تايوان.
قانون مناهضة الانفصال الصيني لعام 2005 ، حدد 3 شروط تستطيع الصين بموجبها استخدام قوتها العسكرية لتحقيق إعادة التوحيد، وتشمل سعي السلطة التايوانية رسميًا للانفصال عن بكين، أو الوقت الذي تُستنفد فيه احتمالات إعادة التوحيد السلمي تمامًا.
يمتلك جيش التحرير الشعبي الصيني الآن، قوات برية يبلغ قوامها قرابة 1.04 مليون جندي، يتمركز أكثر من 400 ألف منهم في منطقة مضيق تايوان، مقارنة مع 88 ألف يشكلون القوات البرية لتايوان.
الفارق العسكري كبير بين القوتين، فالصين تتمتع بمزايا ساحقة في السفن والطائرات والمدفعية، وإذا لم تتدخل أمريكا بشكل مباشر، يقدر القادة العسكريون التايوانيون أنه يمكنهم الصمود لحوالي أسبوعين فقط أمام قوة بكين.
بديل التدخل العسكري للصين
"تضييق الخناق" ربما يكون الحل البديل للصين ردًا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان، وبالفعل قامت بكين بخطوات متقدمة بهذا الشأن.
فرضت الصين حظراً على واردات مئات المنتجات التايوانية، وخاصة المواد الغذائية، وحتى الآن لم تصل إلى حد الحظر المفروض على السلع الصناعية والمنتجات التقنية مثل أشباه الموصلات، والتي قد تكون سلاحًا قويًا في يد بكين، نظرًا لأهمية أشباه الموصلات بالنسبة لأمريكا، فهي تدخل في جميع الصناعات الإلكترونية.
في الآونة الأخيرة، فرضت الصين غرامات باهظة على شركات مثل Far Eastern Group ، وهي تكتل كبير يقوم بالأعمال التجارية في الصين، بسبب تبرعات لساسة وأحزاب مؤيدة للحكم الذاتي في تايوان.
وتعتمد تايوان على واردات الغاز المسال الذي يتحكم في 88 % من طاقتها، ويمكن للصين ببساطة أن تقطع هذه الواردات لتصيب الجزيرة بالشلل.
من المرجح أن يتصاعد هذا الضغط من قبل الصين لتحويل الوضع الراهن في تايوان لصالحها، فلن تحتاج إلى شن هجومًا عسكريًا على تايبيه، لكنها ستبدأ في ضغوط لا حصر لها، حتى لا تعطي لأمريكا وحلفائها سببًا للحرب.