أي الأسلوبين أنجع يا ترى لقراءة مدننا اليوم؟ عادة ما اتبعت كتب العمارة وتاريخها الأسلوب الأول نظرا لاهتمامها بالمنتج النهائي على حساب الآليات. هذه القراءة المفضلة للمعماريين والفنانين وكافة شرائح الناس التي تهتم بالمنتج النهائي على اختلاف انتماءاتهم، أما القائمين على تنفيذ عمليات البناء سواء في الموقع أو في مكاتبهم فإنهم يفضلون الأسلوب الثاني.
بالإمكان بطبيعة الحال اتباع كلتا القراءتين انطلاقا من مبدأ أن الشكل -أي شكل كان- مرتبط بآليات إنتاجه (البناء بالطوب ينتج بناء مختلفا عن البناء بالخرسانة) وبالإمكان أيضا التنبؤ بأن اتباع آليات واشتراطات معينة في عملية البناء سوف ينتج نمطا معينا من البناء (ارتفاعات وارتدادات المباني على سبيل المثال).
أنسنة المدينة مصطلح يتم تداوله بكثرة منذ برهة وهو يتساءل عما إذا كانت مدننا المعاصرة -ليس في المملكة فقط ولكن في العالم ككل- تلبي الاحتياجات الأساسية للإنسان، ومن هنا نشأ مصطلح أنسنة المدن، فالإنسان أولا وأخيرا هو من تبنى له المدن.
المدينة اليوم نتاج بالغ التعقيد لأكثر من جهة. فهناك أولا الإنسان نفسه المستفيد الأول والأخير من بناء المدينة ذاتها، وهناك المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بالتخطيط والبناء، وهناك قطاع البناء ذاته بكل مراحله منذ تحديد الموقع على الخريطة وصولا إلى ما يعرف بـ «استلام المفتاح»، مرورا بكل عمليات البناء بكامل تفاصيلها.
لكل إنسان في المدينة أولوياته تجاه الصورة المثالية التي يحب أن يراها في مدينته. وهي تتعدد بتعدد الناس. يمكن في هذه العجالة التطرق لأربعة جوانب أساسية شكلت ومازالت النمط الأساس لمدننا المعاصرة. هناك أولا التمدد الأفقي وقصر ارتفاعات البيوت السكنية بدورين فقط. هذا الشرط وإن كان قد أدى دوره في مرحلة سابقة إلا أنه قد آن الأوان للسماح بالتمدد عموديا في بناء الوحدة السكنية (الفيلا) لأسباب كثيرة ليس هنا مجال الخوض فيها.
كما تفتقر مدننا المعاصرة كما هو الحال في دول الخليج عموما للظلال في الفضاء العام والخاص. وفي بيئة صحراوية مشمسة هي من بين الأكثر حرارة في العالم فإن توفير الظلال يجب أن يتصدر اشتراطات المشرع العمراني عند تصميم الأبنية والمساكن أيا كان شكلها وحجمها. وكنتيجة مباشرة لذلك تخلو شوارعنا أو تكاد من المشاة وكأن مدننا بنيت للسيارات لا للبشر. وعلى علاقة مباشرة بذلك تبدو مدننا صحراوية انعكاسا مباشرا للصحراء، لا مكان فيها للون الأخضر إلا فيما ندر، مدننا بحاجة للاخضرار، مدننا بحاجة لتتنفس.
من الواضح أننا بحاجة إلى فجر جديد في بناء المدن، لعل مشرعي التخطيط العمراني لدينا يبادرون بذلك.
[email protected]