هل يعود فيروس شلل الأطفال للانتشار من جديد؟ سؤال يشغل بال المسؤولين في أمريكا إثر الإعلان عن اكتشاف الفيروس في مدينة نيويورك بعد فترة قصيرة من إعلان السلطات الصحية في بريطانيا العثورَ على دليل لانتشاره في لندن، وإن لم تكتشف أي حالات إصابة لدى البشر.
فمنذ يومين عُثر على فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي بمدينة نيويورك، في مؤشر جديد إلى إمكانية انتشار المرض ببطء بين الأشخاص الذين لم يحصلوا على لقاح، وفق مسؤولي الصحة الأمريكيين.
وتقول المؤشرات الأولية أن وجود الفيروس في مياه الصرف الصحي للمدينة يشير -على الأرجح- إلى انتشاره محليًا. وقالت مفوضة الصحة في الولاية د. ماري تي. باسيت إن هذا "مقلق لكنه ليس مفاجئًا".
وأوضحت باسيت أنه مقابل كل حالة إصابة بشلل أطفال جرى تحديدها، قد لا تُكتشف مئات الحالات الأخرى.
أهمية التطعيمات
أكد د. أشوفين فاسان، مفوّض الصحة في مدينة نيويورك أنه: "لا يوجد ما هو أكثر ضرورة من تطعيم أطفالنا لحمايتهم من هذا الفيروس"، وتابع: "وإن لم تكونوا قد حصلتم على اللقاح أو حصلتم عليه غير كامل كبالغين، فهذا وقت استدراك الأمر".
كانت أول حالة شلل أطفال قد ظهرت من أسابيع في أمريكا -بعد اختفاء المرض لما يقرب من 10 سنوات- في ضواحي نيويورك. فيما حذر مسؤولو الصحة العامة من احتمال ظهور إصابات جديدة في المدينة.
لحظة الاكتشاف كانت عندما بدأ مسؤولو الصحة اختبار مياه الصرف الصحي لتتبّع انتشار فيروس كورونا، قبل أن يفحصوا عينات شلل الأطفال من يونيو ويوليو، فيفاجأوا بوجوده، وفقًا لما ذكره دينيس ناش، أستاذ علم الأوبئة في معهد جامعة مدينة نيويورك لعلوم التنفيذ في صحة السكان بحسب مجلة بوليتيكو الأمريكية.
البحث عن أصل الفيروس
وأوضح مسؤولون أن العينات الموجودة في نيويورك لم تُربط وراثيًا بحالة الإصابة في مقاطعة روكلاند: "يجب أن يعلم سكان نيويورك أن النتائج البيئية الأخيرة لا تشير إلى أن الشخص الذي حُدد في مقاطعة روكلاند كان سبب انتقال الفيروس، والتحقيق في أصل الفيروس مستمر".
وقالت وزارة الصحة بولاية نيويورك "قد يكون هذا الفيروس نشأ خارج الولايات المتحدة، نظرًا إلى أن السلالات العكسية لا يمكن أن تظهر من اللقاحات المعُطّلة".
وأكّدت السلطات أن الحالة المصابة غير ملقحة ضد الفيروس، وتوقعت أن تكون العدوى من حالة أخرى قادمة من خارج أمريكا.
وصرَّح مسؤولو الرفاهية في ولاية نيويورك الخميس الماضي بأن التلوث انتقل غالبًا إلى الشخص المصاب بشلل الأطفال من آخر حصل على لقاح شلل الأطفال الفموي، الذي لم يمنح في الولايات المتحدة منذ عام 2000.
ما مرض شلل الأطفال؟
مرض شلل الأطفال يهاجم الجهاز العصبي المركزي، ويمكن أن يؤدي إلى الإعاقة الدائمة أو الوفاة. وتعدّ العدوى أكثر شيوعًا بين الرضع والأطفال.
وشلل الأطفال مرض فيروسي معدٍ، يتسبب -في أشدّ صوره- في إصابة عصبية تؤدّي إلى الشلل، وصعوبة التنفس، وفي بعض الأحيان إلى الوفاة.
تنصح مراكز مكافحة الأمراض واتقائها (CDC) باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية نفسك من الإصابة بشلل الأطفال إذا كنت مسافرًا إلى أي مكان يوجد فيه خطر الإصابة بالمرض.
وينبغي للبالغين الذين كانوا قد تلقّوا تطعيمًا ضد شلل الأطفال، ويخططون للسفر إلى منطقة ينتشر فيها هذا المرض أن يتلقوا جرعة معززة من لقاح شلل الأطفال المعطّل (IPV). وتستمر المناعة ضد المرض بعد الجرعة المعززة مدى الحياة.
تاريخ المرض في الولايات المتحدة
أوضحت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها أنه من المرجح إصابة واحد من بين 200 شخص بأعراض أكثر خطورة، تشمل الوخز، والتنميل في الساقين، والتهاب الدماغ، أو النخاع الشوكي، والشلل.
ولا يوجد علاج نهائي لشلل الأطفال حتى الآن، وإن شمل التعامل مع الحالات بعض الأدوية التي تعمل على إرخاء العضلات، وتخفيض الحرارة، والعلاج الطبيعي لتحفيز العضلات.
وكانت حالات شلل الأطفال شائعة في الولايات المتحدة وحول العالم خلال القرن الماضي، وشهدت أمريكا أشد حالات التفشي عام 1952، إذ أصاب الفيروس 58 ألفًا وشلّ أكثر من 21 ألفًا، وقتل أكثر من 3.100 شخص.
وأثَّر تفشي المرض في عشرات الآلاف من الأطفال، وتسبب في إغلاق الشواطئ والمسابح ودور السينما وملاعب البيسبول. وحثّ الآباء والأمهات أطفالهم على تجنّب الزحام والتجمعات.
ورغم ذلك، أدّت حملات التطعيم إلى خفض عدد الحالات بشكل كبير، ووقعت آخر حالة لشلل الأطفال في الولايات المتحدة خلال عام 1979. وكانت آخر حالة من هذا النوع قد ظهرت عام 2013.
وأسفرت حملة تطعيم في أنحاء الولايات المتحدة عن خفض العدد السنوي للإصابات إلى أقل من 100 حالة في الستينيات، وأقل من 10 حالات في السبعينيات، وفق مراكز الصحة الأمريكية.
مشاهير أصيبوا بشلل الأطفال
-فرانكلين روزفلت، كان الرئيس الأمريكي الثاني والثلاثون، أصيب بالشلل عام 1921 عندما كان عمره 39 عامًا، كانت أعراضه الرئيسية هي الحمى وشلل في الوجه وضعف الأمعاء والمثانة وفرط الحساسية، وفي عام 1938 أسس المؤسسة الوطنية لشلل الأطفال، ما أدَّى إلى تطوير لقاحات شلل الأطفال.
- ماريون سيسيليا ديفيز، ممثلة سينمائية أمريكية ومحبّة للأعمال الخيرية، وفي الأربعينيات أصيبت بشلل أطفال في رجليها.
- جياني روسو، ممثل أمريكي إيطالي، أدَّى دور شخصية "كارلو ريزي" في فيلم "الأب الروحي"، أصيب بشلل الأطفال في سن السابعة، وأمضى خمس سنوات في مستشفى حكومي.
- فرانكلين كلارنس مارس، مؤسس شركة حلويات "مارس" الأمريكية، أصيب بشلل الأطفال وكان غير قادر على اللعب مثل الأطفال الآخرين، وساعد والدته في المطبخ فاتجه إلى بيع الحلوى بعد المدرسة، ليتمكّن من تأسيس شركته الخاصة.
- راي يوري، رياضي أمريكي أصيب بشلل الأطفال منذ الصغر، وبعد أن كان يستخدم كرسيًا متحركًا فترةً، مارس تدريباته الخاصة لتقوية ساقيه، ليصبح أحد أكثر الرياضيين الأولمبيين نجاحًا على الإطلاق، إذ فاز بـ10 ميداليات ذهبية في القفز.