نعود إلى موضوعنا، هناك عدة تعريفات للتفوق، والتي لا تقتصر فقط على التحصيل الدراسي، ومنها «أنه مفهوم يشير إلى تمكّن المستوى في المعارف والمهارات في ميدان واحد أو أكثر من ميادين النشاط الإنساني إلى درجة تضع صاحبها ضمن أفضل 10 % ممن هم حوله»، وهنا نلاحظ أنه يلامس الجوانب الحياتية بشكل عام، ولم يقتصر على الدراسة والعمل والمنافسة المحددة.
تعريف آخر أعجبني كثيرًا لسهولته، وهو «الاستعداد الفطري لدى المرء للبراعة في فن أو نحوه، وممن لهم نشاط ملحوظ في هذا الميدان أو غيره من الميادين العلمية والإنسانية المتعددة».
كثيرون يقعون في خطأ خفي لا ينتبهون إليه، وهو مقدار الفارق بين المتنافسين، فمثلًا كثيرون يغترون بالتفوق، ولكن لا ينظرون إلى فوارق المنافسة، فمثلًا إن كان بين الأول وأقرب منافسيه فارق كبير جدًّا، ويتكرر ذلك لأكثر من مرة، فهذا يعني أن المتفوق في المكان الخطأ. وهناك مَن يصنّفون أن المتفوق الثاني يكسب أكثر من الأول، حيث إنه يجد مَن يضيف إليه ويستفيد منه.
كثيرون أُحبطوا بسبب اختلاف التنافس وكِبَر الفوارق، وعدم مراعاتها، لئن كنت دائمًا الأول وبفوارق كبيرة فهناك مشكلة، التفوق ليس دائمًا مقرونًا بالمراكز، بل بما يُضاف إلى العقل من خلال المعرفة والقراءة والاطلاع حتى يصبح تفكير الإنسان وعقليته كالمادة الخام والأرض الخصبة التي تقبل زرعًا مختلفًا ألوانه، ولو بحثنا قليلًا عن المبدعين لوجدناهم تنقلوا بين محطات مختلفة، يتركون إبداعًا هنا، وينقلون إبداعًا آخر إلى هناك، مثال ذلك: تجد مديرًا يُبدع في مصنع للبتروكيماويات، ثم ينتقل إلى شركة سفر وسياحة، ومع ذلك يُبدع.
العقل هو معجزة إلهية، وهبنا الله إياها، كما وهبنا الكثير من النِّعَم بفضله وكرمه، وبالتالي جُل المشكلات هي من عدم استغلاله بالشكل الصحيح، ومعرفة الإمكانات الهائلة والطاقات الكامنة به التي لم تحركها الهِمَم ولا البوصلة في الاتجاه الصحيح.
كثيرٌ من الشباب يعانون من قلة الحظ، ولوم الظروف، وأطراف أخرى غيرهم، وما إن بحث في نفسه إلا وجد كنوزًا استطاعت نقله من عالم إلى آخر، فتغيِّر مكانته وماديَّته، ومستوى معيشته ورفاهيته وأسرته، وكل عالمه.
قبل أن تحكم على نفسك بأي فشل أو قصور أو نجاح وتفوق أو عتاب للظروف والآخرين أو افتخار لنفسك، انظر إلى مركزك ومَن حولك، واعرف قدر التفوق والمنافسة، لا تغتر به كثيرًا، ولا تندبه كثيرًا، بل كن متوازنًا بين الاثنين.
كثيرون كانت لديهم الكثير من الموارد لم ينجحوا في استغلالها، والعكس صحيح، والفارق بينهما هو خارطة التفكير، وكيفية المشي بين سهولها وعلى هضابها، وصعود جبالها، وتجاوز سفوحها ومنحدراتها، والسباحة في بحارها؛ للوصول للضفة الأخرى حتى وإن قلَّت المؤونة إلى ذلك سبيلًا.
وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل، أودِّعكم قائلًا: (النيّات الطيبة لا تخسر أبدًا)، في أمان الله.
@Majid_alsuhaimi