يعيش العالم في حالة سباق متسارع في ميدان التقنية منذ نهايات القرن السابع عشر الميلادي، وذلك عند بزوغ فجر الثورة الصناعية الاولى، التي شهدت اختراع المحرك البخاري وظلت عجلة هذا السباق مستمرة منذ ذلك الوقت، حيث جاءت بعد ذلك الثورة الصناعية الثانية، التي اتسمت بازدهار الصناعات المختلفة بفضل التوسع في استخدام الطاقة الكهربائية، ثم حلت بعدها الثورة الصناعية الثالثة، وشهدت ظهور تقنية الحواسيب والبرمجيات وعرفت بالثورة الرقمية، حتى وصلنا إلى الثورة الصناعية الرابعة، التي نعيشها منذ بداية الألفية الثانية، حيث تم التوسع في مجال التقنيات الرقمية بشكل كبير وملحوظ في العديد من التطبيقات ذات التأثير المباشر على الحياة البشرية، فظهرت تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات والطباعات ثلاثية الأبعاد، ويمكن تسمية هذه الحقبة بثورة البيانات.
يعزو كثيراً من المختصين السبب الرئيسي لهذا الاهتمام الكبير بالتقنية إلى النظرية، التي مفادها بأنه من سيسيطر على التقنية هو مَن سيهيمن ويقود العالم، وأصبح لذلك انعكاسات كبيرة على جميع الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصاية والشواهد على أرض الواقع كثيرة، ولعل من أهم هذه الشواهد وأكثرها وضوحاً هو الصراع الأمريكي - الصيني في مجال تقنية الجيل الخامس، ويعود السبب في ذلك إلى التأثير الكبير لهذه التقنية على طيف واسع من التطبيقات المهمة والمتقدمة في المجالات الصناعية والتعليمية والصحية والتكنولوجية بصفة عامة، بالإضافة إلى مخاوف تتعلق بأمن وسلامة المعلومات وهواجس من عمليات القرصنة الإلكترونية والتجسس، مما دعا الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض عقوبات على الشركات الأمريكية، التي تتعامل مع الشركات الصينية ذات العلاقة. يضاف إلى ذلك الصراع في مجال اكتشافات الفضاء الخارجي وغيرها من الصراعات في مجالات شتى، التي تهدف في نهاية الأمر إلى التسابق نحو «الهيمنة على العالم» متسلحين بمقدار ما يحققونه من تقدم في مجال التقنية.
ومن الأسباب أيضاً التي دعت لهذا الاهتمام الكبير بالتقنية هو وجود ارتباط وثيق بين العلم والتقنية، فنتيجة أي تقدم علمي هو مزيد من الاختراعات والاكتشافات التقنية، والعكس أيضاً صحيح فقد أثرت كثير من جوانب التطور التقني الحديث على تطوير عمليات وأساليب التعليم مثل تقنيات التعليم الإلكتروني والفصول الافتراضية وتقنيات المحاكاة. لذلك أصبح التقدم التقني مؤشراً مهماً للتقدم المعرفي والعلمي، ودليلاً واضحاً على نضج المجتمعات والدول.
استشعاراً لهذه الأهمية وتعزيزاً لدورها القيادي الدائم في العديد من المجالات، فقد أولت المملكة العربية السعودية التقنية اهتماماً كبيراً، وظهر ذلك جلياً من خلال توظيف ذلك الاهتمام في محاور رؤية المملكة 2030 الثلاثة وهي المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، حيث تستهدف خطط ومبادرات الرؤية الدفع بمزيد من الاستثمارات في الجوانب المتعلقة بالبنية التحتية التقنية حتى تكون رافداً من روافد نجاح برامج ومشاريع الرؤية التحولية وصولاً للريادة المستهدفة في العديد من المجالات المختلفة.
ختاماً من المهم جداً في ظل هذا التسارع والتهافت الكبير على التقنية أن يظل الإنسان هو المسيطر والمتحكم فيها، ويستمد قوته في ذلك من قيمه وثقافته وأخلاقه، وألا يكون الإنسان تحت رحمتها، خاصة في هذا العصر الذي انكشفت فيه خصوصية الفرد بفعل تحكم العديد من الأجهزة، التي تحيط به من مكائن وحواسيب وهواتف ذكية وزمن تسارعت فيه عملية نقل وتبادل المعلومات والبيانات.
(@abolubna95)