وعلى أية حال، فإن بناء مدن مستقبلية ليس بالأمر الجديد. فقد شهد القرن العشرون محاولات عدة لبناء مدن جديدة بالكامل. ولعل مخطط ليكوربوزييه للمدينة الجديدة في جنوب فرنسا أو للعاصمة الجزائرية، أو مخطط أوسكار نيمير للعاصمة السياسية للبرازيل برازيليا، أو مخطط المعماريين الأمريكيين مايكل جريفز وبيتر إيسنمان في ولاية نيو جرسي الأمريكية أهم هذه المحاولات. غير أن ذا لاين تختلف عن هذه النماذج في عدة أوجه. فالمدينة ذات سقف عالٍ في رؤيتها وطموحاتها، وفي مصادر استلهامها، وفي الأهداف التي ترمي إلى تحقيقها. إنها تبشر بنمط جديد من العيش ضمن شكل محدد من البناء والعمران غير مسبوق من قبل.
كما تستمد ذا لاين جزءا كبيرا من طموحاتها ومن أسباب بنائها من موقعها. تقع المدينة في شمال غرب المملكة مما يجعلها على مفترق طرق بين قارات ثلاث لتكون بوتقة اجتماعية واقتصادية وسياسية أيضا، حيث يفد إليها الناس من كل القارات لتبادل المنافع الاقتصادية والتجارية مع كل ما يصاحب ذلك من تفاعل اجتماعي متعدد الأوجه. هذا التجمع الجديد لأناس من قارات مختلفة بخلفيات ثقافية واجتماعية واقتصادية مختلفة سوف يثري النسيج الاجتماعي للمدينة، ويسهم في تعزيز دور المملكة السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين دول العالم.
وكما هو معروف سلفا، فبقدر ما تكون الطموحات بقدر ما تكون التحديات. ومن المعروف أيضا أن شكل المنتج النهائي لأي مدينة ولأي بناء مرتبط بآليات بنائه وتطوره وسير العمل فيه أثناء مراحل إنشائه. وهنا تفصح الحلول عن نفسها خطوة بخطوة لما قد يعترضها. وتبقى مفردات العمارة التقليدية والنسيج التقلديدي الحضري لمختلف مناطق المملكة معينا لا ينضب لأشكال هذه التجمعات السكنية حال انتهائها. لنتخيل فقط «البرحة التقليدية» بحلة جديدة كنقاط تجمع رئيسية لسكان المدينة في تكرار شبكي، ولنتخيل الأسطح المجردة بألوان الرمال العربية في كل مناطق المملكة، وهي تشكل مساحات للوحات فنية داخل نسيج المدينة. ولنتخيل أيضا أبراجا سكنية تستلهم مثيلاتها في كل من المنطقة الغربية برواشينها ومشربياتها، أو تلك الحصون الطينية والحجرية المطهمة بالمرو في أعالي جبال السروات. فقط لنتخيل هذه المفردات المعمارية وقد شكلت الذائقة البصرية والجمالية لمدينة المستقبل تلك. هكذا يكون الطموح كبيرا بكبر الأحلام ذاتها.
[email protected]