وهناك من لا يعلم، ولكن لا يحب أن يظهر بمظهر الجاهل، فيقوم بتوجيهك بطريقة خاطئة، ويكون سببا في تضييع وقتك وصحتك.
وهناك من لا يعلم، ويقوم بالإجابة عليك أنه لا يعلم، فتبحث عن آخر لتسأله.
وهذا هو طبع الرجال أيضاً في العلم، فهناك رجال يحرصون كل الحرص على التيقن من دقة المعلومة، وعدم التساهل في النقل عن الرجال دون تحقق.
بعكس رجال يقومون بنقل كل ما يسمعون دون مراجعة، بغرض التباهي، وأن يقال عنهم علماء.
هناك قاعدة مشهورة في علم الحديث تقول: (إنما هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم).
يجب علينا أن نتوخى الحذر حينما نسعى إلى طلب العلم، فقد ظهر الكثير ممن يدعون العلم وهم لا يعلمون شيئاً. يظهرون لك الخير من خلال حلو البيان، وهم يبطنون لك كل الشر.
لذلك، احرص على أن تأخذ العلم ممن هو أهل له.
يقال إن البخاري قد ذهب إلى بغداد، وعلم بقدومه بعض رواة الحديث، فأرادوا أن يختبروا مدى حفظه وأمانته في نقل العلم، وهل يؤخذ عنه أم لا.
عمدوا إلى مائة حديث، وجعلوها أحاديث مقلوبة بمعنى أن قلبوا متونها وأسانيدها، فجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، وقاموا بتلقين هذه الأحاديث لعشرة رجال، يقوم كل منهم بحضور مجلس علم البخاري، وإلقاء عشرة أحاديث مقلوبة على البخاري.
وتم ذلك، وقام الأول بسؤال البخاري عن حديث من تلك الأحاديث، فيقول البخاري: لا أعرفه، فيسأله عن الأحاديث المقلوبة الأخرى، فتكون إجابة البخاري المكررة: لا أعرفه.
ويفعل باقي الرجال ما فعله الأول في السؤال عن الأحاديث المقلوبة، ويظل البخاري على إجابته المكررة ألا وهي: لا أعرفه، وبعد أن تأكد البخاري أنهم قد انتهوا، عمد إلى هؤلاء الرجال بالترتيب وقام برواية هذه الأحاديث بالطريقة الصحيحة إسنادا ومتنا.
لقد حكم الحاضرون على البخاري ممن لا يعلمون ما يحدث أنه قليل الفهم والعجز والتقصير، بينما التفت الفقهاء (رواة الحديث) - والذين خططوا لهذا الأمر - لبعضهم البعض قائلين: فهم الرجل.
وفي المقابل، نجد آخرين اشتغلوا برواية الحديث، ولكن لم يكن عندهم أمانة علمية، وكانوا يجيبون عن كل سؤال وإن لم يعرفوا إجابته، يقال إن عبدالله بن عمر - رضي الله عنه- قال عن مثل هؤلاء: «شنتم العلم، وذهبتم بنوره، لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضربا».
لا يخلو زمن من الفريقين، فاحرص قبل أن تأخذ العلم على أن تعرف أولا الرجال.
@salehsheha1