فمجال الفنون بتنوعها التعبيري، لم يقف الذكاء الاصطناعي فيه عند مجرّد التجريب والتنفيذ الفني للوحات في جودتها وفكرتها وتقنياتها خاصة، وهو ما جعل من هذه التجربة احترافية ومقنعة في السنوات الأخيرة، وبالتالي أصبح هذا التجريب يشكّل تيارا بصريا متدفّقا بالمتلقين والفاعلين.
وكان لهذا التدفق أيضا جدلياته الواسعة بين القبول والرفض، ما خلق فضاءات نقاش وبحث اندفعت بتساؤلاتها واستفساراتها عن استحواذ اللوحة المبنية على الذكاء الاصطناعي على الذوق والإقبال والاقتناع بها، فهي تشكّل طرحا فنيا مختلفا عن واقع الإنسان الفنان ومكانته وحضوره الحسي ومنافسة البرامج الرقمية لألوانه وعناصره التشكيلية بشكل حتمي مغرٍ ومثير في لغته، التي بالغت أيضا في طرح مفاهيمها.
فبين الحرفية والإتقان، وبين الذكاء الاصطناعي وبين الإيمان بالجمال الفني للإبداع الإنساني والتطور التقني للبرامج الرقمية الجديدة، تقع اللوحة الجديدة الذكية في أسلوبها بين الإبهار والنفور، خاصة أن طرحها فرضها بل وانتصر لها بكل تقنياته ومقاييس الذكاء الاصطناعي فيها.
فقد أصبحت ظاهرة واقعة وحقيقة يجب تقبّلها، خاصة أن حضورها جعلها محطّ أنظار المتلقي وشغف المقبلين على الفن وبحث المقتنين والعارضين في سوق الفن ومزادات البيع والشراء الفني، على الرغم من أنها تثير الكثير من الجدل بين نوعيتها ومفهومها وتقنياتها ومدى انتسابها الحقيقي للفن كفكرة خالدة وحضور مختلف.
ونحن هنا إذ نركز على الفن والذكاء الاصطناعي لا نتجاوزه، بل نعيد فهمه ونحاول القرب والتآلف وخلق جسر تواصل نجيب فيه عن سبب هذا الإشعاع وكيف يمكن التفاعل معه دون التخلص من هوية التعبير بالذات، التي تنتمي لهذا الوطن بثقافته وأصالته وكيف يمكن الاستفادة من مثل هذه البرامج الرقمية لتطويع مواهب أبنائنا لتقديم الفن والفنان السعودي وفي نفس الوقت دعمه ليواكب لغة عصره بتقنياته ويفرض رؤاه بأفكاره وينخرط في القرية الرقمية، التي تجمع العالم على التواصل المنفتح والانتماء الكامل للهوية، خاصة أن تيار الذكاء الاصطناعي مقبل بكل ما فيه من حرفية وأفكار يجب الاستفادة منه والوعي به حتى لا يجرف الجمال ويلغي الإحساس وحتى يشجع الموهبة على الاكتمال والتكامل الحر مع العالم بكل ثقافاته.