وأضاف: نشأ مشروع النقد الثقافي لحل صراع قديم بين البلاغة والفلسفة، ويبدأ الغذامي كتابه «النقد الثقافي» بسؤال: هل في الأدب شيء آخر غير الأدبية؟ الجواب نعم، هناك ما هو غير أدبي في الأدب، ومن حق الناقد الأدبي أن يتناوله، لكنه صار عاجزا بسبب التحام دلالة النقد بالأدب، هنا يظهر النقد الثقافي ليتجاوز نقص النقد الأدبي، فكان الغذامي يرى أن النقد العربي القديم تم احتكاره من قبل البلاغة، وهذا أدى إلى تعطيل البعد الفلسفي «الثقافي» للنقد.
وأشار إلى أن الفلسفة كانت علما مشبوها في ثقافتنا، وهذا سبب تراجع دورها في النقد الأدبي، فنقاد العرب كالجاحظ كانوا يمجدون العفوية والبداهة ويكرهون التصنع، وكان الشعراء الذي يهتمون بصقل وتهذيب شعرهم يسمون عبيد الشعر، من هنا، يقرر الغذامي أن الحس العربي «النسقي» ينفر من التنظير الفلسفي ويطرب لما هو بلاغي، فسيطرة البلاغة والمجازات على الفكر والأدب العربي جعل العقل العربي عاجزا بسبب نشوة الجمال، كما أن كلمة أدب لا تقتصر على الأدب الرسمي، وكلمة ثقافة تعني كل سياق فكري واعتقادي عام وشامل بحيث يكون مرجعا لإنتاج الخطابات.
وأوضح أن البحث عن الشروط الجمالية فقط يجعل غاية الفن هي الإمتاع واللذة المنزهة عن الغرض، وهذا أفضى إلى القطيعة مع «الواقع»، والغذامي يرى أن نقاد العرب ابتعدوا عن الواقع المعيش، ولذا فقد سلموا من التعرض للأذى الذي تعرض له علماء الكلام والفلاسفة «فلم يتم تكفير ناقد أدبي بسبب نقده فقط».
وتابع: لنتذكر علاوة على ذلك أن الشعر العربي بطبعه ليس قصصيا يقوم على المحاكاة، والغريب أن الاتكاء على نظرية المحاكاة جعل أفلاطون صارما في نقده للشعر، متجاوزا بلاغيته، كما يرى الغذامي أن علم العلل «أحد فروع علم أصول الحديث» هو الاستثناء، إذ أسس نظريا لمجال اشتغاله «ماذا عن الفلسفة وعلم الكلام؟»، مؤكدا أن تركيز الغذامي على «العلل» نابع من أن غاية النقد الثقافي نفسها هي كشف العلل الثقافية.