DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
national day
national day
national day

«الشراهة الاستهلاكية».. سلوك مرضي يدمر الجسد المجتمعي

الاهتمام بالأولويات وتعزيز المصالح المشتركة ونشر الوعي الذهني أبرز وسائل العلاج

«الشراهة الاستهلاكية».. سلوك مرضي يدمر الجسد المجتمعي
ترتكز التغيرات الثقافية الاستهلاكية المتعددة عبر الأزمنة المختلفة على المبادئ والقيم المادية، بل تنادي بها في مقابل تمييع الهوية الشخصية، لأن الشراهة الاستهلاكية كالسرطان الذي يدمر الجسد المجتمعي ويفقده المناعة والسيطرة بسبب ما يسمى «نهم الاستهلاك»، الأمر الذي جعل من الإنسان في وقتنا الحاضر أداة استهلاكية، همه الوحيد يتركز على المادة، فهو يعدها المقياس الرئيس لتقييم البشر.
وباء اجتماعي
وقال الأخصائي النفسي العيادي د. عبدالله الوايلي: تطورت نزعة الشراء الاستهلاكية وتنامت بشكل كبير جدا، حتى أصبحت الحياة الاجتماعية شبه مجردة من المشاعر الإنسانية، فأصبح لكل شيء سعر، وكل شيء قابل للبيع والشراء، وذلك بشكل تدريجي حتى أصبح الاستهلاك عنوانا للوباء الاجتماعي الذي ينخر في الجسد البشري، استجابة للتنظيم والتخطيط والتنفيذ المؤسسي المدروس من قبل الشركات العالمية الكبرى، التي تبحث فقط عن قيمتها السوقية، فأخذت على عاتقها العمل على تغيير المجتمعات والثقافات والعادات الإنسانية والأخلاقية، بما تملكه من إمكانات مادية وقدرات بشرية عالية من أجل الكسب المادي بغض النظر عن المبدأ الأخلاقي والإنساني، فقد شارك الإعلام في تثبيت المعتقد الشرائي من خلال رسم صور خيالية معقدة عن النهم الشرائي، لتعزيز الأهداف المؤسساتية التي جعلت الشركات تسعى لتوفير كل ما يحتاجه وما لا يحتاجه المستهلك وفق النظام الاستعراضي العاطفي.
النظام المؤسسيوأضاف: ما أوجدته العولمة وآلياتها وما بحثت عنه وركزت عليه في نظامها المؤسسي الاستهلاكي قادها إلى النجاح فيه بامتياز عن طريق توفير اللاممكن من أجل تحقيق الممكن، وتوفير الكل للوصول إلى الجزء بجعل المستهلك في حيرة من أمره عند الاختيار، أي أن الشراء التكنولوجي جعل من الشراء القهري اتجاها رئيسيا للمستقبل، وذلك لكل الأفراد بالمجتمعات المختلفة دون استثناء، ومن هنا نشأ التأثير على المستهلك خاصة المراهقين منهم ومن الجنسين، والدور الرئيسي الذي يلعبه الإنسان المعاصر حاليا في كل المجتمعات هو الاستهلاك فقط، كما أرادت الشركات الكبرى التي حولت الحياة إلى تجارة واسعة يحكمها النظام الاستهلاكي الإنتاجي وفق نظرية «المنفعة والخسارة»، لأن الشره الشرائي عبارة عن نتيجة حتمية لأزمة وجودية، فمن أين بدأنا وإلى أين ننتهي، خاصة أن الدعاية والإعلانات التجارية في حقيقتها تعد عدوا للوعي، فهي غالبا تنادي بعدم التفكير أي «لا تشغلوا عقولكم».
هوس الشراء
وتابع: لعل من المناسب أن نفرق بين الشراء الطبيعي واللاطبيعي من خلال مفهوم هوس الشراء، الذي يأتي على عدة مسميات مختلفة ومتداخلة، منها ما هو علمي ومنها ما هو عامي، فيسمى أحيانا «الشراهة الاستهلاكية أو التسوق القهري أو الشراء القهري أو الإنفاق القهري أو إدمان التسوق»، الذي يجعل من الإنسان أسيرا، بحيث يدخله في حلقة مفرغة ذات مشاعر سلبية كبيرة يسودها القلق والتوتر والغضب غالبا والحزن والاكتئاب أيضا، كما تقوده إلى جبرية الشراء كنوع من العلاج الذاتي الوقتي الذي سرعان ما يتغير وينقلب إلى شعور بالذنب، خاصة بعد الانتهاء من عملية الشراء غير المبررة.
رغبة قهريةوأوضح أن الشراء القهري هو اضطراب نفسي موجود منذ القدم، ويصف حالة الفرد عندما يكون لديه رغبة قهرية في الشراء والتسوق بسبب الاستجابة السلبية للرغبات، وعدم القدرة في السيطرة على الذات، ما جعله يصنف بأنه أحد الاضطرابات الاندفاعية، ويشار إليه في الدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية باضطراب الشراء القهري، كما تشير إحدى الدراسات الأمريكية بأنه يوجد بنسبة 5.8 % لدى سكان أمريكا، وأن نسبة إصابة الإناث به مرتفعة جدا تصل إلى حوالي 80 %، علما بأنه اضطراب مرتبط ارتباطا وثيقا بالقلق والتوتر والمزاجية، ويبدأ عادة في مرحلة المراهقة، وصنف بأنه اضطراب مزمن ويشبه اضطراب الوسواس القهري أيضا.
عواقب وخيمةوأشار إلى أن الشراء الاستهلاكي المفرط في علم النفس الاجتماعي يفسر أحيانا على أنه شكل مبالغ فيه من أشكال البحث عن الهوية الشخصية، وأنه نتيجة حتمية لبعض الدوافع النفسية، كما يعتقد أيضا أن سلوك الشره الشرائي في حقيقته يعبر عن دافع التميز والشعور بالرضاء الذاتي، وفي ظل تلك المؤشرات فإن هناك حقيقة مفادها أن هذا النوع من البذخ المستدام له عواقب وخيمة على الأفراد والأسر والمجتمعات ككل، ولعل المجتمع الخليجي أكثر المجتمعات التي تبالغ في التسوق والشراء لمجرد الشراء خلال العقود الماضية، نظرا للتأثير المدني الحضاري الذي أدى إلى سرعة الحركة في الأسواق، وإلى كثرة مرتاديها من الجنسين ومن جميع الطبقات والفئات العمرية المختلفة.
دوافع اجتماعيةولفت إلى نقطة مهمة جدا، وهي أن هناك حالة من التداخل والاندماج مع طريقة الاستهلاك المرضية التي لابد لها أن تتوقف، لأن المشكلة تتكون من جانبين «نفسي ومادي»، الجانب المادي ينطلق غالبا من دوافع اجتماعية ناتجة عن انعدام الضمير وضعف النسق الاجتماعي، في حين أن الجانب النفسي ينطلق من نزعة حب التملك، موضحا أن الشراهة الاستهلاكية بكل صورها عبارة عن سلبيات اجتماعية مؤثرة، تبرز غالبا في انتشار واستشراء داء الاستهلاك بالنفس الإنسانية، ما يعني سيطرة «الشراء الترفي» على الأفراد، ولذلك لابد لنا من معالجة الأنماط السلوكية السلبية المتعددة، كالسلوك الانسحابي والانهزامي، من خلال نشر الوعي الذهني وصولا إلى صناعة ثقافة نفسية عامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تستهدف مفهوم وتعريف الشراء الاستهلاكي القهري، وأنه مرضي وأن تزايده جريمة، لأن المستفيد منه لا يمكن ضبطه، ويتمثل في الشركات الكبرى.
حل النزعات
واختتم حديثه قائلا: لعلاج الشراهة الاستهلاكية بالمجتمعات، لابد من العمل على استعراض الأولويات التي تسهم في حل المشكلات، ودعم المشاعر التي تتمثل في حل النزاعات والتناقضات الداخلية، والاتفاق على المصالح المشتركة بالحد الأدنى من المعايير الإنسانية والمفاهيم المحددة والواضحة، ونشر الوعي الذهني وصولا إلى صناعة ثقافة نفسية عامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف مفهوم وتعريف الشراء الاستهلاكي القهري.
نوع من البذخ المستدام له عواقب وخيمة على الأفراد والأسر والمجتمعات
نزعة متنامية ترتبط بالقلق والتوتر والمزاجية وتبدأ في مرحلة المراهقة
التأثير المدني الحضاري أدى إلى سرعة الحركة في الأسواق وكثرة مرتاديها
الإنسان أصبح أداة استهلاكية يهتم بالمادة ويعدها المقياس الرئيس لتقييم البشر