إن بداية السنة الدراسية الجديدة (١٤٤٤ هجري) قد تكون عصيبة على الكثيرين لأنهم لم يعتادوا بعد على النظام الدراسي الجديد (ثلاثة فصول). وجرت العادة أن لكل جديد متعة ولذة إلا في الجد والعمل والتعلم، فإنها تكون ثقيلة على النفوس! إلا من رحم ربي وقليل ما هم. ومن المعلوم أن كل نظام جديد أو فكرة جديدة تحتاج إلى وقت من أجل معرفة ما لها من فوائد وما عليها من ملاحظات. المهم أن نعرف كيف نتعايش معها، ونستفيد منها، فهي الآن أمر واقع؟. والتغيير على وجه العموم لا يتقبله الأكثرية بسرعة، ولكن ربما بعد حين قد تتغير وجهات النظر.
ودعونا نعود إلى الحديث عن أن الإجازة التي انقضت على عجل، وأكاد أجزم أن الأيام أصبحت تجري أسرع من السابق. فاليوم نشعر به كأنه ساعة من نهار. بل إن الشهر يبدو كأقل من الأسبوع. وهذا يذكرني بالحديث النبوي الشريف: «لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يتقارَبَ الزَّمانُ، فتَكونُ السَّنةُ كالشَّهرِ، والشَّهرُ كالجُمُعةِ، وتَكونُ الجمعةُ كاليَومِ، ويَكونُ اليومُ كالسَّاعةِ، وتَكونُ السَّاعةُ كالضَّرمةِ بالنَّارِ». وقيل: إن المقصود منه نزع البركة من الأشياء حتى الزمان. والنووي-رحمه الله- قد قال: «المراد بقصره عدم البركة فيه، وأن اليوم مثلا يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة». وأما ابن باز - رحمه الله - فيقول: «التقارب المذكور في الحديث يُفسّر بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن والأقاليم وقِصر المسافة بينها بسبب اختراع الطائرات والسيارات والإذاعة وما إلى ذلك، والله أعلم».
والمشكلة هي ليست فقط في سرعة انقضاء الأوقات والأعمار، ولكن المشكلة هي في كيفية انقضائها؟. ولذلك كانوا وما زالوا يرددون: الوقت من ذهب، وفي المثل الإنجليزي (Time is money) والحقيقة أن الوقت أثمن من ذلك بكثير، لأنه سيكون لك أو عليك في كلتا الدارين! وشخصيا من خبرتي المتواضعة في الحياة فإن أسرع فترة من حياتي مرت علي هي الثلاثينيات والأربعينيات من عمري. بل كأني أنظر الآن إلى صورتي البارحة حين التحقت بالجامعة.
وبعيدا عن إحساسي الشخصي بالوقت والعمر.. يُذكر أن العالم الفيزيائي آينشتاين قد سئل عن نسبية الزمن فقال: عندما أجلس مع من أحب لمدة ساعتين، أخالها دقيقة واحدة فقط. ولكني عندما أجلس على موقد ساخن جدا لمدة دقيقة أخال أنها ساعتان، هذه هي النسبية.
والذي أريد أن أقوله في هذا المقال ان هذا العام سوف يمضي بسرعة وكذلك العمر! ولذلك على الطالب أن يركز على تحصيله ومستقبله اليوم وليس غدا، وأن يبتعد عن التسويف وإطالة الأمل، فالأيام تجري وتتطلب منا الإنجاز والمضي قدما، سواء كانت الإجازة قصيرة أو طويلة، وسواء كان الفصل الدراسي فصلين أو ثلاثة فصول، فكل ذلك سوف يمر من عمرك (كما مر علي وعلى غيري كأنها برهة من الزمن) وحينها ستلفت إلى الوراء لتنظر إلى ما قدمت وأنجزت خلال ثلاثة عقود من فترة شبابك (العشرينات والثلاثينات والأربعينات). وأؤكد لك بلا أدنى شك أنها سوف تمضي على عجل، كأنك ركبت قطارا فدخلت من هذا الباب ثم خرجت من الباب الآخر لتجد الحياة قد مضت بك، والأحوال والأشياء قد تغيرت من حولك! وسوف تردد لنفسك تلك الجملة التي قلتها لنفسي، وقالها آخرون مثلي لأنفسهم: لقد مضت الحياة سريعة، فماذا قدمت؟!