جاءت بدايات حركة القرامطة في منطقة القطيف حيث اعتنق مجموعة من التجار بزعامة أحدهم مع أحد الوعاظ فيها فكر رجل زاهد كان ببغداد سمي القرمطي ناشرا أفكارا وعقيدة أصلها مجوسي قديم. شكل هذا الفكر البعيد عن الإسلام دعوة عقدية بما هو أشبه بالشيوعية والاشتراكية معيدا تفسير آيات القرآن الكريم ومن غير هدى أو علم أو دراية. وبسبب إهمال الدولة العباسية للمنطقة وجدت هذه الدعوة صدى وانطلاقة لإعلان العصيان عليها فتحالفت معها القبائل حتى كونوا قوة عسكرية لا يستهان بها وجاؤوا بمجلس حكم لهم يضم قادة عسكريين وتجارا استولوا على الأحساء بعد أن تمكنوا من منطقة القطيف. وما لبثوا أن نشروا عقيدتهم الداعية إلى أنه لا شعائر فدمروا المساجد ومنعوا الصلاة وهدموا الدور وقتلوا من خالفهم. توسعت هذه الحركة القرمطية ووصلت إلى الشام ثم حدود مصر الفاطمية. كما دان لتلك العقيدة والمنهج وبشكل منفصل اليمن وبحركة قرمطية مشابهة. ولم يقفوا عند ذلك الحد بل انهم غزو مكة المكرمة وقتلوا الحجاج وبصحن الحرم الشريف متلفين ماء بئر زمزم بإلقاء جثث القتلى فيه. كما من أفعالهم أنهم اقتلعوا الحجر الأسود وسلبوا الكعبة المشرفة من مقتنياتها وأوقفوا العبادة فيها وما لبثوا أن عادوا أدراجهم بعد أن كتب إليهم حلفاؤهم الفاطميون.
جاءت أحداث الحج أشبه بالصدمة للمسلمين وللخلافة ببغداد إلا أنهم لم يستطيعوا أن ينالوا منهم. كتب عنهم المؤرخون الكثير واصفين تفاصيل تأسيسها وعن عقيدتهم وممارساتهم الشاذة وعن تلك الواقعة بمكة المشرفة. وبعد كل الدمار وإزهاق الأرواح وسلب الأموال لنشر منهجهم، شيئا فشيئا تقلص نفوذهم وسطوتهم مع تقادم السنين إلى أن تمكن أهل مدينة العيون في منطقة الأحساء من القضاء على ما تبقى منهم مؤسسين دولتهم التي عرفت بالعيونيين.
زار القرامطة عدد من الرحالة ولعلي هنا أقف لأسرد ما ذكروه في كتبهم وعن مشاهداتهم أثناء زيارتهم للمنطقة عن الصلاة والمساجد. فمما ذكر المقدسي أن «الأحساء قصبة هجر، وتسمى البحرين.... وبها مستقر القرامطة من آل أبي سعيد، ثم نظر وعدل غير أن الجامع معطل». كما دون ناصر خسرو الذي زار الأحساء أيضا في زمن مقارب ذات الملاحظة فقد ذكر في كتابه أن أبا سعيد الجنابي مؤسس دولة القرامطة عندما حكم الأحساء أسقط الصلاة والصوم وذكر ما هو نصه «ليس في مدينة الحسا مسجد جمعة ولا تقام بها صلاة أو خطبة». وبالإضافة إلى كل هذا ذكر في مصادر تلك الفترة بشعر ابن المقرب أن المسجد أقامه العيونيون وهذا يؤكد ما ذكره علماء الآثار مما وجدوه عند قيامهم بأعمال التنقيب.
من السهل علينا أن نكتب في المدونات أو من خلال قنوات التواصل الاجتماعي لكن لكل تخصصه كما وله قنواته. فلا نأخذ بقول كل تدوينة أو تغريدة ونجزم بأنها صحيحة فنقع في ملابسات تاريخية.
@SaudAlgosaibi