وأضاف: كلا الجانبين يلعب على نقاط قوته؛ روسيا على هيمنتها في القوة النارية، وأوكرانيا لقدرتها على تآكل الجيش الغازي من خلال استهداف خطوط إمداده.
وتابع: لكن هذا ليس سوى جزء من الصورة، بوتين يخوض 3 حروب، كل واحدة منها غير معلن عنها. إنه يسعى في الوقت نفسه للسيطرة على أوكرانيا، والهيمنة على المنطقة الروسية، والإسراع بسقوط الغرب، كما أن هناك صراعًا داخليًّا في الأفق.
ولفت إلى أن العملية العسكرية الخاصة التي يقودها بوتين هي حرب غير معلنة للتوسع الإمبراطوري تستهدف توسيع الأراضي الروسية عن طريق استعادة أراضي بلاده، بحسب وصف بوتين.
الأهداف الحربية
ومضى الكاتب يقول: اعتمادًا على كيفية تقييمنا لأهدافها الحربية، والتي تحوّلت من الغزو وتغيير النظام إلى حماية سكان دونباس والعودة مرة أخرى، فإن أداء روسيا متباين، لقد نجحت موسكو بالتأكيد في جعل أوكرانيا على شفا فشل الدولة، لقد تركت بالفعل عبئًا لإعادة الإعمار سيستغرق التغلب عليه عقودًا.
وتابع: رغم رغبة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مواصلة القتال حتى يغادر جميع الغزاة الروس أراضي بلاده، حتى في النتيجة الأكثر تفاؤلًا بالنسبة لكييف، فإن الاستعادة الكاملة لدونباس أو شبه جزيرة القرم ليست مضمونة على الإطلاق.
واستطرد: لكن بوتين أهلك أيضًا القوات التقليدية الروسية لتحقيق مكاسب طفيفة بشكل مفاجئ في 6 أشهر، خلال الشهور الماضية، أظهر خطابه عن القوة الروسية تجاهلًا صارخًا لحقوق الإنسان، وكشف أن قواته المسلحة فاسدة، وتعاني سوء الإدارة، وقاصرة في العقيدة والانضباط والقدرات.
وأردف: تهدف حرب بوتين الثانية غير المعلنة إلى تعزيز السيطرة على مجال نفوذ يمتد من آسيا الوسطى إلى وسط أوروبا.
وأردف: لقد دمرت روسيا القوات المسلحة الجورجية في 5 أيام خلال عام 2008 على الأراضي المتنازع عليها في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، لقد هددت مولدوفا بالغزو إذا تخلت عن الحياد، وتدخَّلت مع القوات العسكرية في كازاخستان وفي النزاعات بين أرمينيا وأذربيجان.
ونوه إلى أن بوتين يخسر بشدة صراعه من أجل التفوق الإقليمي، مضيفًا: لقد تم الاعتراف منذ فترة طويلة بتضاؤل نفوذ روسيا بالنسبة للصين، خاصة في آسيا الوسطى، لكن الحرب ضد أوكرانيا تظهر مدى تراجع نفوذ الكرملين.
الاتحاد السوفيتي
ويواصل الكاتب بمقاله قائلًا: وصفت كازاخستان الغزو الروسي أنه حرب، وأرسلت مساعدات إلى أوكرانيا، مولدوفا تسعى بنشاط للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، باستثناء بيلاروسيا، فإن جميع الدول التي كانت ذات يوم جزءًا من الاتحاد السوفييتي إما صوَّتت أو امتنعت عن التصويت لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يأسف لغزو روسيا ويدعوها إلى سحب قواتها من أوكرانيا.
وأشار إلى أنه حتى رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكا، المدين بالفضل لبوتين لبقائه السياسي، قاوم محاولات استدراجه مباشرة إلى الصراع في أوكرانيا، كما أدى قرار فنلندا والسويد، بالانضمام إلى الناتو إلى تقريب الحلف العسكري من روسيا، ما أدى إلى إطالة حدودها مع الحلف بنحو 1300 كيلو متر. وتابع: أما حرب بوتين الثالثة غير المعلنة فهي أكثر حروبه ضبابية، وتأخذ شكل صراع عالمي ضد الغرب، مع التركيز على إعادة رسم الخريطة الإستراتيجية لأوروبا.
ونبَّه إلى أن هذه الحرب تشتمل على مكوِّن سياسي لتفتيت مجتمعات أوروبا وأمريكا الشمالية من الداخل، واستغلال حالات الدول التابعة لأغراض إستراتيجية، والسعي لإضعاف النفوذ الغربي من خلال مغازلة أجزاء العالم التي يكون فيها هذا النفوذ أضعف.
وأضاف: تعتبر حرب بوتين مع الغرب مهمة بالنسبة لرؤية القوة العظمى لروسيا باعتبارها روما الثالثة الأوروبية الآسيوية، كما أنها تحمل أكبر قدر من المخاطر لمَن يسعون إلى احتوائه.
ولفت إلى أن الشتاء القاسي الذي يلوح في الأفق سيعزز للعديد من الأوروبيين الدرس القائل إن الردع يأتي بتكلفة في ظل الاعتماد المفرط على عمالقة الموارد الذين يمكنهم تسليح الطاقة من أجل النفوذ الإستراتيجي.
وأبرز الكاتب الحرب الرابعة التي تلوح في الأفق، وهي صراع روسيا مع نفسها.
وتابع يقول: أدى مقتل داريا دوغينا، ابنة الفيلسوف الروسي الفاشي الجديد ألكسندر دوغين، في انفجار سيارة مفخخة، إلى تأجيج اليمين المتطرف الروسي.
الهشاشة الداخلية
وأضاف ماثيو ساسكس: مع ذلك، جاءت أول إشارة إلى الهشاشة الداخلية في روسيا منذ غزو فبراير، الذي شهد اعتقال 15 ألف متظاهر مناهض للحرب.
ومضى يقول: دوغين ودوغينا لاعبان صغيران في السياسة الروسية في أحسن الأحوال، ومع ذلك، فإن استهدافًا قوميًّا متطرفًا هو حدث نادر في روسيا.
وأضاف: إذا كان اللوم يقع على أوكرانيا بالفعل، فكيف فشل الأمن الروسي في إيقاف «فوفك» على الحدود، حيث يفترض أن الفحوصات العميقة للخلفية لجميع الأوكرانيين الذين يدخلون البلاد أمر روتيني؟ ولماذا سمح لها بالمغادرة؟
وتابع: بدلًا من ذلك، إذا تم تنفيذ القتل من قبل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي نفسه، فهل كان فصيلًا مارقًا مناهضًا لبوتين، أم كان يعمل بناء على أوامر بوتين لإثارة التأييد الضعيف للحرب؟ إذا كان الأول، فإنه يشير إلى انقسام عميق في النخبة الروسية، وإذا كان الفرضية الأخيرة، فقد استهدف بوتين بسخرية اليمين المتطرف في روسيا، الذي انتقده؛ لأنه لم يكن صارمًا بما فيه الكفاية مع أوكرانيا.
ولفت إلى أنه أيًّا ما كانت صحة أي فرضية من تلك الفرضيات، فإن مقتل داريا دوغينا يضع قيادة بوتين موضع تساؤل، مضيفًا: هذا شيء يمكن تجنبه بدقة، إنه مهووس بالسيطرة ويتمتع بدعم آلة دعاية ضخمة لتحويل الهزائم إلى انتصارات ولوم الآخرين على أخطائه.
وختم بالقول: هذه وسيلة شائعة للحكام المستبدين لصرف النقد وقد نجحت بالتأكيد مع بوتين، ولكن من غير المحتمل حدوث ثورة روسية من أسفل، إلا أن التاريخ مليء بالأمثلة، بما في ذلك تفكك حلف وارسو والاتحاد السوفيتي نفسه، حيث كشفت الأكاذيب والقمع والسلطة الشخصية في النهاية عن عري الإمبراطور.