أجزم بأنه لا يوجد شخص لم يسمع في كثير من المرات موضوعًا في المسجد والمدرسة والمنزل عن (بر الوالدين)، فهذا الموضوع تفضَّل الله به ورسوله «عليه الصلاة والسلام» في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، وهذا أمر مسلَّم به جملة وتفصيلًا بالسمع والطاعة، قولًا وعملا لا نقاش فيه ولا جدال حوله. ولكن بعد ذلك هناك أمر مهم وهو (بر الأبناء) أي البر تجاه الأبناء من والديهم، وهنا أنا لا أضعه مقابل بر الوالدين فهو ليس موازيًا له ولا يقابله، ولكنه يأتي بعده ليعود ويكمله. هذا المصطلح يصنفه التربويون ومختصو طب الأسرة كأهم عوامل العلاقة التي تبدأ من الوالدين تجاه أبنائهم وبالتالي تنعكس على برهم لوالديهم، فهي استثمار أخلاقي بحت عائده يبقى مدى الحياة بعد توفيق الله، بعض الآباء يعتقد أن ابنه جُبل على البر فيريده من يومه الأول مطيعًا مقبلًا إليه مقبِّلًا يديه، وهذا حق مشروع ولكن السؤال، أيها الوالد ماذا فعلت وقدمت حتى تجد ذلك، لا أقصد هنا نكران كل ما تقوم به ولكني أقصد كيف أوصلت له كل ذلك، فهناك فرق شاسع بين أن تقول لابنك (أنا أؤكد عليك وأطعمك وأشرِّبك وعساه ينفع فيك) وأن تقول (أجمل اللحظات يا حبيب ويا قطعة قلبي أن أجد تعبي في ابتسامتك وتأمين حاجياتك ونومك الهانئ، كل ذلك أعيشه إن عشته أنت) ماذا تتخيَّل منه أن يقول في المرة الأولى؟ لا أستغرب إن قال: نعم صحيح (وأنت يبه مكلف فيني طبعًا أجل تجيب عيال، وتبي غيرك يكد عليهم؟) أما الثانية فأجزم بأن جوابه (الله يخليك لنا يا بابا ويلحقنا برك، ونرد جزءًا بسيطًا من فضلك بعد الله وجمايلك علينا يا أجمل أب بالدنيا)، في الحالتين نفس القائل ونفس المتلقي ولكن الرسالة بينهما اختلفت في الأولى، انتفى البر وتواجد في الثانية فأصبح الفرق هائلا، يقولون في الأمثال: (الناس لا تحب القيود حتى وإن كانت من ذهب)، فلا توجد مسؤولية تجاه الأبناء مع رسالة جافة خالية من العطف بالذات تجاه مَن تربطنا بهم العلاقة الأزلية غير القابلة للزوال، فالأب أب مدى الدهر والأم والإخوة كذلك، فمهما أغدقت عليهم بالمال دون قول لين وحنان أبوي فأنت كمن يقيدهم بقيود من ذهب فهذا الذهب بالنسبة لهم كالصدأ تمامًا، لأنه في الأصل قيد لا يأتي إلا من العنف. وقبل الختام، يقول الرسول «عليه الصلاة والسلام»: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، إلا من صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له) تأكد.. لن يدعو ولد لك إلا إن كنت بارًّا به. وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل، أودِّعكم قائلا (النوايا الطيبة لا تخسر أبدًا).. في أمان الله.
@Majid_alsuhaimi