* نعمل أشياء في الخفاء، لكن نظهر في العلن عكس ما نبطن كجزء من حربنا المستدامة للبقاء. كان الماء الشيء الوحيد الذي نجاهر بتتبعه أينما كان. الماء سلاح المستقبل ومحوره، لكننا كعرب نستنزف وبشكل جائر ما تسرب خفية إلى بطن أرضنا من مياه عبر العصور. فهل هو التمهيد لإجبار أجيالنا القادمة على الرحيل بحثا عن حب من نوع جديد؟ هذا إن حالفهم الحظ قبل حتفهم عطشا في الطريق. لماذا نجهل ونتجاهل ونعمل أيضا لتجهيل عشق الماء وشأنه؟
* يجد الفرد العربي نفسه -سرا- في ملكوت التجلي المبدع بسبب عواطفه المحبة، فتبقى قلوب العرب -بالوراثة- طرية مخملية تحمل الطيبة، ولها مخيمات حالمة وغنية بالمشاعر المحجوبة عن ملامحهم. هذه ميزة نسبية لصالحنا نحن العرب. هكذا سبقنا العالم بنظريات الحجب في مواقع التواصل التقنية المختلفة، نظل نبحث سرا عن طرق لإزالة الحجب بعيدا عن العيون الراصدة.
* مع زخم التغيرات وتوافر المال والوسائل، انجرفنا نعظم كل شيء، رأسيا وأفقيا. نتطاول في البنيان، نمد الطرق السريعة، نعدد النساء، نكاثر الأبناء، نجمع الدراهم ونخزنها. عظمنا من شأن (المال والبنون) بمفهوم الكم وليس الكيف. وعندما أفكر في أمر المرحلة أو الواقع كما يقول البعض عندما يتشدقون بالمعرفة الجاهلة؛ وأرى تعاظم أمر الطلاق وما يصاحبه من نظريات الخلع المنتشرة، أتعجب وأتساءل هل غاب الحب عن الرجال والنساء؟ هل الحب حاضر بشكل غير مفهوم للأجيال في ظل التغيرات السريعة؟ هل انعكس هذا التغيير سلبا على الفرد العربي ذكرا وأنثى؟ وهل أثّر سلبا في قدرات اتخاذ القرار السليم أمام سرعة تشتيت إيقاع الحياة لتكوينات الحب العربي المعروف؟ هل أصبح حب النفس طاغيا على كل حب؟ لماذا لا يرطبون أنفسهم بشرب الماء في الوقت المناسب ليستمر الحب؟
* هل للغتنا العربية تأثير على التقلبات السريعة التي عشناها ونعيشها في أمر الحب والمحبين؟ هل لغياب شعراء أغاني الست أم كلثوم تأثير سلبي؟ نحمل لغة حالمة تحمل خيالا جامحا، جعلت من كل فرد عربي شاعرا بكل مشاعره السلبية والإيجابية، لدرجة أن الله وصفنا بقوله سبحانه: (يقولون ما لا يفعلون). ونتيجة لذلك وصلنا درجة معها نعيش بألوان كثيرة، كالحرباء تغير لونها مع كل وضع. هكذا نغير -كعرب- من منهج حياتنا ومواقفنا ومشاعرنا. نصبح على مشاعر ونمسي على أخرى. وهذا مؤشر قوة وبأس.
* الأجمل قدرتنا على تحمل التغيرات والتناقضات. نحارب شجرة البرسوبس الخضراء -كمثال- وندعو لاجتثاثها بقوة وهي تعيش في أرض الله. ثم في نفس الوقت ننادي بزراعة الأشجار. حياة طافحة بالتناقضات. هل كل هذا بسبب حضور جنيّة الشعر التي نحمل؟ إذا كان هناك تغير مناخي يهز بيئات العالم، فهناك تغير في مسارات الحب العربي يهز المجتمعات العربية. يجعلها في حيرة من أمرها أمام تغيرات يرونها أعظم خطورة من شح وندرة المياه.
* استعدوا معي للقاء مقال يوم الأربعاء القادم. فيه تسجيل استثنائي عن التغيرات في حياتي. تحولت بوصلة الحب إلى حب الآخرة والزهد في الدنيا. وهذا نموذج للتغيرات في حياتنا. جميعنا في نفس القارب نعيش ونتفرج على بعض تحت مظلة نتائج عمل المؤثرين. كانت عقولنا مستهدفة. فأصبح قاربنا يختلف عن كل قوارب العالم العابرة بحب لا يراه غيرنا في بحر الحياة. وجاء العالم ليقول: اصح يا نايم.