@LamaAlghalayini
يُحكى أن رجلًا كان يحب في العالم شيئَين أكثر من أي شيء آخر، ابنه والمهر الذي يملكه، لكنه استيقظ ذات صباح ليجد المهر قد اختفى، وبدأت عائلته وجيرانه في البحث عنه، والقلق بشأن اختفائه، لكنهم لم يجدوه في أي مكان؛ مما جعل جاره المقرَّب يقول له: «يجب أن تشعر بالفزع»، فأجابه الرجل بهدوء؛ لم ينتهِ الأمر، وتفاجأ الرجل بعد يومَين بعودة المهر مصطحبًا معه حصانًا أبيض رائعًا، وتوافد الجيران حين سماع الخبر للتهنئة والاحتفال، وعلَّق ذلك الجار: «يجب أن تشعر بسعادة غامرة، فقد أصبح لديك حصانان»، وبنفس الهدوء كرَّر الرجل إجابته: «لم ينتهِ الأمر».
وفي الصباح التالي انطلق ابنه الوحيد راكبًا الحصان الأبيض ببهجة عارمة، لكن الأجواء ارتبكت بعد قليل بتعثر الحصان، وسقوط الابن على الأرض، وإصابة قدمه بكسر شديد، فبدأ الجيران بالقدوم لمواساة الأب وابنه، وهمس الجار في أذنه؛ يا له من حادث مروِّع، كم سيكون الأمر صعبًا عليك وعلى ابنك، واستمر الأب بنفس هدوئه متمتمًا العبارة ذاتها؛ لم ينتهِ الأمر، وفي ذات المساء هجم الجيش على المنطقة، واقتاد جميع الشباب الأقوياء جسديًّا للمشاركة في الحرب، وتم استبعاد الابن ذي الساق المكسورة، وهرع إليه الجار مهنئًا لعدم ذهاب ابنه مع الجيش، لكن الرجل تجاهل عبارته، ونظر إليه نظرة عميقة مطلقًا نفس عبارته: لم ينتهِ الأمر بعد.
وتستمر أحداث القصة بين المد والجزر، فهي حكاية رمزية تمثل الاختلاف بين العقل والروح، فالجار رمز الذهن، والرجل هو رمز الروح، ويظل الذهن مذعورًا بسبب تقلبات الحياة، لكن الروح تتفهّم أن الصعود والهبوط لا ينتهي أبدًا لأن تلك هي طبيعة الحياة، وعندما تتغيّر الأمور من الخارج فإن روحك لا تتغيَّر، ففي الماضي كان البحارة مرعوبين من الذهاب بعيدًا إلى البحر حتى اكتشفوا نجمة الشمال، ومع وجود نجمة واحدة ثابتة أصبح الإبحار آمنًا إلى الأراضي البعيدة دون خوف، وحين نتذكر دومًا أن الروح آمنة في الداخل فسيخفف ذلك من قلق الذهن، وفي حكاية المهر والابن يشعر الجار بالحزن عندما يحدث أي شيء، ويفرح حين تجري الرياح بما يشتهي، لكن الأب رمز الروح يقف في الخلف ويأخذ كل شيء بمنظور أوسع، ولديه وجهة نظر أكبر وأعمق، وبالتالي فهو قادر على أن يكون هادئًا وثابتًا؛ لأنه وجد التوازن، والطبيعة كلها تدور على عنصر التوازن، فلو تأملت الشجرة حين تتأرجح أوراقها مع كل نسيم صغير، لوجدت الجذع يقف قويًّا وثابتًا تمامًا، وهذا يشبه ما يحدث معنا، حيث تومض الآلاف من الأفكار في عقولنا، ومع ذلك يظل جوهر الروح ثابتًا هادئًا، لهذا فإن
أفضل طريقة للعيش هي أن تثق روحك، وأن تؤمن بأنك روح تتجول في جسد، لا جسم يتجول بحثًا عن روح، وبمجرد الوصول لهذا الانكشاف الروحي ستبدأ كل الأشياء تأتي من تلقاء نفسها في الوقت المناسب.