التغيرات في حياتي كثيرة، بعضها إيجابي، أخرى سلبية ومتخلفة. مع بلوغي مشارف السبعين، تذكرت طفولتي الموؤوووودة. لم أندم.. جاءت في مرحلة كان يقودها منهج «مبني» على مبدأ الرجولة والمرجلة، تم تغليفها بقيم الشهامة والغيرة، تمت تنميتها في نفوس الأجيال مواقف نشمية ومعطاءة. كانت مرحلة حياة عمل كفوء، هدفها الأعظم تحقيق البقاء الذي كان مسئولية جماعية، كان الترفيه أن تظل حيا بكرامة. مرحلة جعلت العمل أمامنا خير عبادة، عظمته قولا وفعلا.
اليوم كل شيء تغير أمامي لصالح الحياة وتطورها، وتعميرها بالعلم وحضارته في كل مجال. الميت هو الذي لا يتغير. حتى الحب الذي كنت أعرف تغير، وأيضا مشاعره. أصبح حبا ظاهرا من أجل العطاء، لصالح كرامة الأجيال. نعيش مرحلة تعزز دور الإنسان ووظيفته. معها بدأت استعيد ذكريات شيء مما عشت وعانيت. أقدمها كعبرة ودرس. منها مرحلة سنين الصحوة، حيث تم (وأد) الأشياء الجميلة السوية. جاءوا بطقوس منحرفة، وضعوها في قوالب ضد تطور الحياة ومتغيراتها السريعة. عجزوا عن الاستيعاب، فرجعوا إلى الانغلاق والتخلف قولا وفعلا.
كل تغيير هو أمر خارج جنة الصحوة التي روجوا لها. صحوة ضلت طريقها لتحقيق غايات غير مسئولة، تخدم مصالح غير إنسانية، هدفها السيطرة، وزرع فتن التخلف والجهل والتجهيل. استبدوا وطغوا بالقول والفعل. غاب عنهم حقيقة أننا أمة سعودية لا خوف علينا، لأننا أصحاب رسالة إنسانية. نحن الوحيدون في عالمنا العربي الذين نعيش اليوم أفضل من الأمس، والقادم أفضل بعون الله. بهذا نفتخر ونفاخر بهذه المرحلة.
في زمن صحوة الانغلاق، كنا نسلك الطرق ولا نرى غير لوحات التخلف، تحث على الموت أكثر من الحياة. تدعو للزهد في بناء الإنسان والأرض. تجاهلوا وغيبوا وظيفتنا ومهمتنا في بناء الأرض. وقد دعوني يوما للجهاد في سبيل الله وترك دراستي العليا. عقول شباب تم جرف منطقها السوي، ليسهل قيادتها نحو الهاوية والفشل، لتحقيق مآرب غامضة، ومشبوهة، وغير سوية. حشوها بلوحات نصوص لا تحث على العلم والتعلم؛ لا تحفز وتعظم دور المرء ووظيفته ودوره في الحياة. ولأني والد الطبيبة (سلمى) والمتفوقة، تجرعت وبمرارة قول أحدهم وهو يعلن أن من يدخل ابنته كلية الطب ديوث. رباه.. أي ألم كان.. أي صدمة تحمّلنا.. أي فكر تحدث، وخطط، ووجهة، وانتقد.. قشور عشعشت في عقول عمياء.. فأنتجت فكرا بليدا، يكذب الكذبة ثم يصدقها، وينشرها غثاء دون خجل.
صحوة قامت على التخلف وليس غيره شيء. طالت حتى أبراج الضغط العالي للكهرباء. طالبوا بتغييرها لأنها تأخذ شكل الصليب. كانت صحوة قشور نثروها كمنهج حياة لتعميق التخلف. كانت هستيريا اعتقاد غير سوي. أي فكر حملوا وجسدوا؟ أي حياة كانوا يرونها ولا نراها؟ وعند مرض زوجاتهم تجدهم يبحثون عن الطبيبة وليس الطبيب. ألم أقل لكم منذ البداية إنه التناقض، عشعش في ظل الانحباس الجاهل على النفس. فكر غير سوي تحول إلى أداة لنشر التجهيل دون حساب للعواقب. جاؤوا بهذا الوضع عنوة، فأطلقوا عليه بأنفسهم ولأنفسهم اسم: الصحوة. مرحلة تخلّف مارست علينا لحظات حب دخيلة ومنكسرة، قوامها نزعة الصراع بين الأشياء.
خطيب آخر في يوم الجمعة أعلن للمصلين أن كل شخص يضع دشا في بيته فهو ديوث. وكان بجانبي أحد كبار علماء المملكة في التربية، شاورني على الانسحاب من المسجد، قائلا في بيتي دش، وأنت كذلك. تشجعنا لمواصلة نشيد صحوة تلك الخطبة. وخرجنا من المسجد نتساءل كيف وصلوا إلى هذه المنابر؟
إذا كان في البيئة الطبيعية جفاف ماء، فقد كان هناك جفاف وعي وثقافة، مصحوبا بمنهج لتجهيل الناس. ذلك حدث لزيادة جرعة تسطيح دورنا في الحياة. أهداف من علمهم سحر الصحوة الجاهلة كانت بغيضة. تجاهلوا أننا أمة عظيمة بقيمها الحضارية الصحيحة. كانوا بصحوتهم تلك أعداء أنفسهم. ويأتي السؤال: متى يكون الإنسان عدو نفسه؟
twitter@DrAlghamdiMH