بدأ العام الدراسي لأطفالنا في المملكة وفي الوطن العربي في الأيام القليلة الماضية، وتهيأت الأسر لاستقباله وإعداد الأبناء والبنات لسنة دراسية جديدة، وتوفير جميع سبل النجاح لهم في خطوة مهمة في مستقبلهم التعليمي. أعاد ذلك ذاكرتي إلى الوراء سنوات طويلة وتحديدا لفترة إعداد أطفالي للمدارس في الولايات المتحدة الأمريكيه كطبيب مبتعث. عند انتقال أي أسرة عربية ومسلمة للعيش في الغرب تبرز للوالدين عدة تحديات، أولها اختيار المدارس للأبناء والبنات في بيئة مختلفة تماما عن الوطن لا تدعم التعاليم الدينية والسلوك المحافظ والأفكار التي نعتبرها ضمن أولويات بناء أسرنا. وقد وفرت المملكة العربية السعودية مشكورة ضمن سياستها الرشيدة مدارس تابعة للسفارة بمناهج تناسب بيئتنا ومعتقداتنا وعادة ما تكون في العواصم، وقد لا يتوافر ذلك لجميع المغتربين فيلجأ الأبوان إلى تسجيل الأبناء والبنات في مدارس ملحقة بالمركز الإسلامي إن وجد أو المسجد المحلي في فترة ما بعد الظهر أو نهاية الأسبوع. وتفتقد كثير من هذه المدارس إلى طاقم التدريس المؤهل، فهم في الغالب من المتطوعين مرتادي ذلك المسجد أو المركز، فمصادر تمويل هذه المراكز جفت بشكل كبير بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لأسباب يعلمها الجميع، بما في ذلك حملات التبرع التي كانت شائعة. وهناك أيضا أسباب أخرى تتعلق بكون بعض هذه المساجد تدار بواسطة جماعة الإخوان المسلمين ولهم وجود قوي في كثير من دول الغرب ويشكل ذلك مصدر قلق لكثير من الأسر المغتربة.
المدارس الحكومية أو الخاصة في الغرب مختلطة وتميل بصفة عامة إلى استيعاب الجميع بما في ذلك الأفكار الليبرالية التي تشجع المثلية في بعض الأحيان. ويميل أبناؤنا وبناتنا إلى الانفتاح الفكري وتقبل كثير من تلك الأفكار ولو ظاهريا في جهودهم لكي يتجنبوا أن يظهروا بمظهر مختلف أو متطرف، فقد ينتج عن ذلك معاملتهم كمنبوذين في المدرسة أو اضطهادهم وخاصة في مرحلة التعليم الثانوي. وهنا تبرز مسؤولية كبيرة على عاتق الوالدين قد لا يفكر فيها المقيمون في الوطن. فيجب عدم التقليل من الضغط النفسي والفكري على أبنائنا وبناتنا في تلك البيئة، وتأثير أقرانهم السلبي مما يشكل عبئا كبيرا على الوالدين للتعامل مع الأبناء والبنات بشكل ذكي بعيدا عن العنف وفرض الآراء بشكل قاس قد يؤدي إلى نفورهم أو تمردهم لا سمح الله، كما سمعنا في كثير من تلك القصص التي تتناقلها أسر المغتربين أو نقرأ عنها في وسائل الإعلام، أو قد يؤدي ذلك إلى تدخل منظمات حماية الطفل في تلك الدول. هناك خط رفيع جدا نرسمه للإبقاء على شعرة معاوية بيننا وبين أبنائنا وبناتنا ليستمر تأثيرنا عليهم، وليكون الوالدان هما المصدر الرئيسي القريب منهم والموثوق الذي يلجأون إليه عند الحاجة، مع المحافظة على العلاقة الإيجابية في الأسرة، فاتباع أسلوب الفرض والإكراه قد يؤدي إلى نتائج سيئة في غياب قوانين لا تدعم معتقدات الوالدين.
تخطي تلك المرحلة الحرجة في حياة أبنائنا وبناتنا المراهقين ليس بالهين، ويتطلب التزام الوالدين وبذل الوقت والجهد والتفكير بذكاء للإبقاء على علاقة متينة تربط الأسرة، كما يتطلب ذلك الكثير من التفكير المستقبلي ووضع أهداف واضحة مما قد يأتي على حساب التزامات الوالدين المهنية والمعيشية. عندما نفكر في صعوبات أبنائنا وبناتنا في الوطن وقلقنا تجاههم، تذكروا ما تعانيه الأسر في الغربة من صعوبات تضاف إلى أعباء حياتهم اليومية ونحمد الله على البيئة الإيجابية التي يمكننا توفيرها ببعض الجهد والوقت بعيدا عن التأثيرات الهدامة في الغرب.
@almaiahmad2