لقد أصبح العالم اليوم قرية اقتصادية تجمع الكثير من الشركات ودولها التي تتبادل المصالح والمنافع من خلال التعاون في شتى المجالات الصناعية والتجارية. الشراكات الاقتصادية رؤية إستراتيجية ضرورية لأنها تربط بين الأمم في إطار المصلحة والخير للشركاء ما يحقق المزيد من التعاون والأمن والسلام والحرص على تنمية المصالح المشتركة لما في ذلك من الرخاء على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. التكامل الاقتصادي من خلال التكتلات منفعة شجعت عليها منظمة التجارة العالمية منذ كانت تعرف بالاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية قبل 1 يناير 1995.
قطعت المملكة شوطا كبيرا في التنمية والشراكة الاقتصادية وأصبح لدينا كيانات اقتصادية تنافس على المستوى العالمي. تتزايد الحاجة للشراكة الاقتصادية مع دول العالم كلما زادت الحاجة لنفاذ منتجاتنا إلى الأسواق العالمية. من هذا المنطلق أدركت القيادات السعودية المتعاقبة أهمية التحرك إقليميا وعالميا لما فيه الخير للمملكة ولشركائنا الاقتصاديين، حيث كانت الزيارات التاريخية الإستراتيجية لقياداتنا إلى كل من الصين والهند وماليزيا وباكستان واليابان وكوريا الجنوبية وبعض الدول الأوروبية وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية ذات أهمية اقتصادية إستراتيجية للمملكة، خاصة أنها أصبحت عضوا بارزا ومميزا في منظمة التجارة العالمية منذ الحادي عشر من ديسمبر 2005م. يزيد هذا الانضمام من الفرص الاستثمارية عالميا للقطاع الخاص السعودي الذي رافق بعض المستثمرين من رجال وسيدات الأعمال القيادات السعودية في الزيارات للتعرف على الإمكانيات والفرص المتاحة للشركات السعودية في الدول التي أبرمت معها المملكة العديد من الاتفاقيات الاقتصادية في مجالات مختلفة.
الواضح أن جميع الاتفاقيات التجارية التي وقعت مبدئيا مع الصين والهند وماليزيا وباكستان تضمنت معالجة الازدواج الضريبي الذي يعد من أكثر المعضلات التي تواجه المستثمرين السعوديين وتحد من نمو الشركات التي تدفع الضرائب للبلد الأم والبلد المضيف معا. لا شك أن الازدواج الضريبي من العوامل الاقتصادية الهامة التي رأت المملكة وضعها ضمن الاتفاقيات التجارية مع جميع الشركاء التجاريين بلا استثناء، وذلك لتحفيز الشراكة الاقتصادية مع تلك الدول. يبدو واضحا أنه من مصلحة المملكة الاتفاق حول سياسة الازدواج الضريبي لأنها تضعف منافسة المنتجات السعودية خارج حدودها.
هذه الاتفاقيات الثنائية بين المملكة وكل من الدول الموقعة عليها لا تتعارض مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تشجع على النمو الاقتصادي العالمي الذي تساهم فيه الدول ذات العضوية في المنظمة، بل تشجع على ما يعرف بالتكتلات الاقتصادية الإقليمية. هذه الاتفاقيات مبدئية وليست نهائية، حيث تفتح المجال للحكومات المعنية بها وشركات القطاع الخاص نحو المشاركة التجارية من غير إلحاق الضرر بطرف على حساب الطرف الآخر. والحقيقة أن عضوية المملكة في المنظمة دفعتها للقيام بمثل هذه الاتفاقيات للنهوض بالقطاع السعودي من خلال المشاركة التجارية مع أقطاب اقتصادية تلعب دورا كبيرا ملموسا في الساحة الاقتصادية العالمية. المملكة بحاجة للاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة لجلب رأس المال والخبرة والتكنولوجيا إلى المملكة، لذلك كانت هذه الجولات السياسية والاقتصادية المثمرة لتشجيع المستثمرين من تلك الدول للاستثمار في المملكة.
وستزيد هذه الاتفاقيات التجارية من التعاون الاقتصادي بين المملكة وتلك الدول في العديد من المجالات. ستفتح الاتفاقيات التي أبرمتها المملكة مع باكستان في مجال التدريب والتعليم المهني والفني والتعليم الطبي وغيرها الأبواب للسعوديين للاستفادة من خبرات الباكستانيين بما يتماشى مع احتياجاتنا. باكستان من الدول المتقدمة في مجالات الطب والهندسة وبعض الصناعات الخفيفة والثقيلة. تعتبر كل من الصين والهند والباكستان من الدول ذات الأسواق الكبيرة الواعدة ما يساعد الشركات السعودية على النفاذ إلى أسواقها. أما بالنسبة لماليزيا فهي بلد يعيش تجربة متميزة في التعليم والتدريب والتصنيع ما يفيدنا في المملكة سواء باكتساب الخبرة أو توسيع نطاق السوق للمنتجات السعودية، وكذلك للمنتجات الماليزية في المملكة. ويجمعنا بماليزيا والباكستان الثوابت الدينية والثقافة الإسلامية ما يسهل على التجار والصناعيين السعوديين التبادل التجاري مع هاتين الدولتين الإسلاميتين.
كلية الأعمال KFUPM
@dr_abdulwahhab