يعد العمل التطوعي أحد الروافد المجتمعية التي تنطلق من أسس التعاون ومبادئ الفطرة الإنسانية المجبولة على الخير، إنها واحدة من أهم السبل التي تعكس إيجابية المجتمعات وتكافلها في صورة مشرقة تكتنفها الفطرة السليمة المبنية على السلوك الحضاري.
وتتنوع وسائل تطبيق فلسفة العمل التطوعي بطرق مختلفة على صعيد الفرد أو على مستوى القطاع الثالث (غير الربحي) ومن المبادرات الرائعة التي قدمت في المجال التطوعي، المنصة الوطنية للعمل التطوعي، إحدى مبادرات الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
وتنطلق من قدراتك ومهاراتك إما عن بعد سواء كنت مصمما، مبرمجا أو كاتب محتوى وغيرها من المجالات التي لا تستدعي حضورك إلى مقر الجهة التي ترغب في الاستفادة من عطائك في بناء منظومتها غير الربحية أو حضورك الفعلي لتلك الجهة وتقديم ما تجيده لها بناء على المجالات المتنوعة التي تقدمها المنصة بالتعاون مع القطاع الثالث.
إن ممارسة العمل التطوعي تعزز مهاراتك وتطورها بالتزامن مع تنمية المجتمع فإذا كنت مدربا قدم دورات مجانية استثنائية تطوعية وإذا كنت محاميا قدم استشارات مجانية وهكذا، ليس هناك سقف للبذل والعطاء.
وربما تستطيع أن تبادر في شيء بعيد عن مجالك المهني، ولكنها هواية تمارسها على سبيل المثال الجمعيات الخاصة مثل العديد من جمعيات الإنقاذ التي يمتلك أفرادها سيارات الدفع الرباعي المجهزة للوصول إلى الأماكن الصعبة وقد نبعت من هواية تعديل المركبات وتحولت إلى وسيلة إنقاذ!!
ناهيك عن تكوين العلاقات في نفس المجال مما يمنحك بعدا أكبر ورؤية عملية لجوانب أخرى قد تخفى عليك فهي تعلمك تقبل جميع الآراء المطروحة من قبل فريق العمل فهم يسعون للارتقاء بما يواكب تطلعات الجهة المشرفة عليهم والصبر وعدم الاستسلام والانسحاب، بالإضافة إلى حسن استغلال الوقت فيما ينفعك مما يعطيك راحة بسبب مساهمتك في دعم وطنك والمجتمع.
قيمة البذل والعطاء لا تعادلها قيمة فهو تكافل يعزز المعنويات ويرفع الهمم نحو علو الغاية واستدامة الوسيلة كما أن ثمرة مساعدة الغير وتقديم يد العون لهم جلب الشعور الدائم بالسعادة والرضا وتقدير الذات.
فهو جهد ليس له مقابل إلا وقود الوعي الذي لديك والهمة التي تبرز طواعيتها بناء على مؤازرة الآخرين، تجدر الإشارة إلى أن العمل التطوعي يشعرك بأن لديك المزيد من الوقت كما أوضحت الباحثة كاسي موغيلنر في إحدى المقالات التي تم نشرها في مجلة هارفرد بزنس ريفيو ((أن الذين يتطوعون بوقتهم يشعرون أن لديهم المزيد منه)) وهذا الشعور مقارب للأشخاص الذين يتبرعون بأموالهم للجمعيات الخيرية.
حيث إن تقديم وقتك للآخرين يمنحك صلاحية رصيد الوقت الإضافي، وسوف يحسن من جودة تعاملك مع الوقت ويقلل من الساعات التي تختفي أو امتلاك وقت فراغ غير مستثمر.
كما أود أن أنوه إلى أن هناك خطوات تعزز وتطور تبني ممارسات العمل التطوعي من خلال الإعلان عن الأعمال التطوعية على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن إبراز إنجازات الحملات التطوعية على البيئة أو الاقتصاد مما يساهم في رفع دافعية الشباب الذين يمتلكون القوة والحيوية إلى الانتساب إلى إحدى الجهات التطوعية، كما أن نشر ثقافة العمل التطوعي من خلال القنوات التعليمية المدارس والجامعات والوسائل الإعلامية له الأثر الكبير في انتشاره ولا نغفل عن العملية التنظيمية التي تعتمد على التخطيط والتوجيه المناسب في نجاح الجهود المشتركة، بالإضافة إلى توظيف الأشخاص المناسبين بحسب قدراتهم ومهاراتهم في مكانهم المناسب، وأختم بمقولة أوسكار وايلد (أصغر عمل طيب يستحق أكثر من أعظم نية).