حينما تلقيت دعوة إدارة مكتبة الحرم المكي الشريف لإلقاء محاضرة بالمكتبة منتصف الأسبوع الماضي بعنوان (دور المكتبات في تعزيز ثقافات المجتمعات)، وجدت أنها فرصة ثمينة لأوضح للحضور أهمية دور المكتبات في تنمية ثقافة المجتمعات، وحثهم على القراءة في ظل توافر الإمكانات التقنية، التي أصبحت عاملا مساعدا في الكثير من الأعمال.
كما وجدت في تلبية الدعوة فرصة لأوضح للحضور حركة التدوين في عهد الدولة الأموية، وما قام به خالد بن يزيد بن معاوية من ترجمة للعديد من كتب الفلك والطب والكيمياء، والحديث عن (دار الحكمة)، التي تأسست في عهد الخليفة هارون الرشيد، والتي تمثل أول مكتبة أكاديميَّة وعامة في العالم الإسلامي، التي وصفها الفيلسوف والمؤرخ والكاتب الأمريكي ويليام جيمس ديورانت، في كتابه «قصَّة الحضارة» بأنَّها مَجمع علمي، ومرصد فلكي، ومكتبة عامة، وما حدث لها بعد استيلاء المغول على بغداد سنة 656هـ، وإلقائهم بالآلاف من المخطوطات في النَّهر، حتى أصبحَت مياه النَّهر سوداء من لون المِداد!
وكان اللقاء فرصة للحديث عن هيئة المكتبات، التي تم تأسيسها في فبراير 2020 كهيئة سعودية لــ «الإشراف على المكتبات وتنظيمها، وجعلها رافداً ثقافياً مجهز ومهيئ لكل أطياف المجتمع، وذلك لتنمية القطاع والنهوض بمقوماته».
وهيئة المكتبات، التي جعلت أهدافها تطوير المكتبات وتوفير بيئة محفزة للقراءة، وأطلقت أولى مبادراتها في 18 يونيو 2020، لـ«تطوير المكتبات العامة وفق رؤية جديدة تستهدف الارتقاء بالمكتبات وتطويرها وتحويلها من مجرد وعاء معلوماتي إلى منصات ثقافية شاملة تحتضن الأنشطة والفعاليات الجاذبة لأفراد المجتمع، إلى جانب دورها الأساسي المرتبط بتنمية العادات القرائية وإثراء المعرفة، ورفع مستوى الوعي المعلوماتي، وهو ما يعني تحويلها إلى منصات ثقافية، تدعم المعرفة والمشاركة والتفاعل ما بين الأفراد من مختلف شرائح المجتمع، وتعتزم المبادرة إنشاء 153 مكتبة عامة في مناطق المملكة، وذلك على مرحلتين، بحيث تكتمل 13 مكتبة في عام 2022، وتنجز البقية بحلول 2030»، وهو ما يعني أن دورها لن يكون منحصرا في توفير الكتب والمجلدات وفتح الأبواب أمام روادها من القراء، بل ستعمد على إعداد البرامج التدريبية المهنية، وبناء برامج تعليمية وتقديم المنح الدراسية، وستكون هيئة المكتبات هي الجهة المانحة لتراخيص أنشطة المكتبات وستنشئ الهيئة قاعدة بيانات تضم كل الجهات والأشخاص المعنيين في قطاع المكتبات، وهي خطوة تذكرنا بما قامت به (دار الحكمة) في بغداد زمن الخليفة هارون الرشيد.
وإن التزمنا بأهداف هيئة المكتبات، فمن المؤكد أننا لن نفقدها كوعاء معلوماتي، خاصة أنها ستعمل على دعم «المشاركة المجتمعية الفعالة، وذلك من خلال تعزيز أهمية الكتب والقراءة ودعم وتشجيع ممارسي القطاع في سبيل التنمية المستدامة»، وهو ما نبحث عنه في زمن أصبحنا نعتمد على المعلومة السريعة والخفيفة دون التحقق من صحتها أو الرجوع لمصدرها.
@ashalabi1380