@alomary2008
قال صديق لي: هزني خبرهم العاجل فلملمت نفسي وتدثرت بحزني، ثم اتكأت على قدمي للذهاب إلى أقارب لي أشاركهم عزاءهم في وفاة قريب لهم.. كلأني الحزن وغشاني الهم وحدثتني نفسي بتأجيل زواج ابني الذي لم يتبق عليه إلا أيام تضامنا معهم.. وحينما ولجت مكان العزاء واتخذت مكاني في المجلس.. تأملت القوم فرأيت أشياء غريبة.
ضحك يكاد يغلب على العاكفين في المجلس، تبادل لطرائف الأخبار وأحداث الملاعب والأسواق.. يكاد النسيان يطغى عليهم ويجثم على عقولهم، إذا جاءهم شخص وسأل عن سبب الوفاة تذكروا الموت وترحموا على الفائت، ثم سرعان ما يعودون إلى خوض أودية القيل والقال.. ولما جيئ بالصحون تقاطر القوم عليها، وانتظموا في التهام ما لذ وطاب من (تيوس) المندي.. وأخذوا يتجادلون في التخطيط للأكل في بقية أيام العزاء!
لم أر أثر الفاجعة ظاهرًا إلا على وجوه أولاده لقد كساهم الحزن وعلاهم الهم، وأظنهم مقتوا الحاضرين على عدم مشاركتهم مشاعرهم، فمشاركة المشاعر يا سادة لا تقل عن مشاركة اليد التي تصافح والرجل التي تمشي.
هذا مع معلومية أن الراحل تناوله الموت فجأة، وجل الحضور أقاربه وجيرانه، والميت من أكفاء الناس وممن تحلى بجميل الصفات، ثم إن الرجل لم يوارَ التراب بعد، ينتظرون إنهاء الإجراءات. فكيف هم فاعلون بعد الدفن؟!
ويواصل حديثه ليقول ما معناه: لم يعد الناس يهتزون للموت، بل بات فرصة للتجمعات والتلذذ بأطايب النعم، بعد ما شهدت وشاهدت عدم تأثر الناس، قررت أن أقيم زواج ابني وليحضر من يحضر وليحزن من يحزن، فالأحياء لا يحزنون على فراقنا وما هم إلا ممثلون يجيدون تمثيل الحزن وبارعون في الاصطفاف لاستقبال المعزين..... الفقيد لا يفقده إلا عائلته.. أما البقية فمجيئهم مجرد تسجيل حضور في كشوف عادات تلقفوها!
* الحقيقة المرة.. أن الناس سيتذكرونك ويتناقلون صورك حينما يكون موتك خبرا عاجلا.. بعد أيام سينساك أغلب الناس.. ستبقى صورك عند بعض الأصدقاء يتداولونها للذكرى.. وبعد أعوام ستنسى شيئا فشيئا لن يتذكرك إلا الأوفياء من المقربين جدا.. ثم تدخل عالم النسيان بفناء جيلك.. ولن تبقى إلا أعمالك الصالحة!
* لن يتذكرك بعد رحيلك إلا اثنان؛ واحد كنت سببا في سعادته وطرفا في احتوائه، وآخر كنت سببا في تعاسته، وطرفا في مصائبه ومشاكله.
* قفلة..
قال أبو البندري غفر الله له:
حياتك كتاب.. أنت من يؤلفه!