@hana_maki00
ماذا لو نفذت روسيا تهديدها، وحاصرت الأوروبيين في منطقتهم، ماذا لو أن أزمة الطاقة التي هدد بها الرئيس الروسي السوق الأوروبية، قد أينعت وحان قطافها؟
في الواقع إن خطاب الرئيس الروسي الأخير -الذي ألقاه يوم الأربعاء الماضي بالمؤتمر الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك الروسية- يجاوب بشكل صريح عن أهداف حربه ضد أوكرانيا، والقرارات التي عاجلت بها روسيا معاقبيها، فقد أحصى نجاحاته وكأنها إستراتيجية الحرب الحقيقية، منها تهديداته التي قد تسبب أزمة اقتصادية للأوروبيين وتضعف أسواقهم وصناعاتهم، وأشار إلى تراجع قيمة صرف عملات، الدولار واليورو والإسترليني، وتحويل السوق العالمية من الغربية إلى السوق الشرقية بقيادة روسيا، لتوازي سوق الدول الصناعية «فالمستقبل في الشرق وآسيا» بحسب قوله، وأن يدعم حليفه الصيني حتى يجعل منها قوة منافسة بتوريد الطاقة وجعلها بديلا عن السوق الغربية.
إلى الآن ورغم تضرر الاقتصاد الروسي الجانبي، إلا أن العقوبات في محاصرة الاقتصاد واستهدافه بضربات متتالية من الحكومات الأوروبية، قد ارتدت تباعا عليهم، حتى اللحظة التي أعلن فيها الرئيس الروسي تهديده عن تسببه في أزمة طاقة وأزمة غذاء «في حال تعارض التعاون مع مصالحنا لن نسلم شيئا» مما يتنبأ ببوادر أزمة غربية على الأبواب تحدثت عنها الصحف الأوروبية بريبة بعد تهديده بتحديد تصدير الحبوب ومنع تصدير الطاقة.
ولكن ماذا لو نفذ الرئيس الروسي تهديده حقا؟ على الرغم من أن هذه «الأزمة» سبق التنبؤ بها منذ نشوب الحرب، وعلى الرغم من انخفاض النشاط الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بسببها نحو 0,2 % في النصف الأول من العام، إلا أن موعدها لم يحن لأنها ليست مباشرة، ولكن تنفيذ التهديد سيغير كليا وجهة ذلك الاحتمال ونتائجه، بالذات بعد تأكيد عدد من الخبراء لضعف إمكانية الولايات المتحدة في مواصلة مساعدة الأوروبيين في محاولة للاستغناء عن الغاز الطبيعي الروسي.
ولكن هناك تحديات أكبر من الأمنيات، إذ تستخدم الولايات المتحدة بشكل أساسي كل طاقتها المتاحة لتسييل الغاز الطبيعي، ولدى أوروبا بنية تحتية محدودة لقبول الواردات فعليا، كما أن المنطقتين تواجهان قيودا مادية تضع سقفا لمقدار الإمدادات على المدى القريب إذا استمر الأمر في الزيادة، ورغم كل التحديات إلا أن الاتفاق جارٍ على قدم وساق، بل أسواق الغاز الأمريكية منتعشة وعقود الغاز مربحة للغاية، ولكن تبقى مشكلة المناخ، التي تكلف تأمين الإمدادات غاليا، لذا الأمر ليس بهذه السهولة. ولكن ذلك لا يلغي حقيقة ارتفاع أسعار الغاز الأمريكي المشغل للكهرباء، الذي تعتمد عليه أوروبا ومصانعها، والذي رفع أسعار صادراتها، كل تلك الأزمات التي تحاول الحكومات الأوروبية حلها بصعوبة بالغة في حقيقتها تضر بنا نحن ضررا مكلفا.
لذا فإن أزمة الغذاء والطاقة نحن مَن سنتحمل وزرها، و«نحن» تشمل «الأسواق النامية»، التي تعتمد على الصادرات الأوروبية، التي بسببها نعاني من الغلاء والتضخم ورفع سعر الفائدة التمويلية. حين تبدأ أزمة الغذاء والطاقة لدى الغرب، سنصاب من عطساتها بحمى؛ لضعف مناعتنا الإنتاجية، ستسبب لنا أزمة أكبر وهي انقطاع المورد والإنتاج والتصنيع والسلع الأوروبية، التي نعتمد عليها، فنحن مَن سنتأزم.