@rakanc0
القوة من طبيعة الإيمان، التي تضفي على صاحبها من فضائل الثبات والرسوخ ما يصبغ سلوكه كله، فعند الحديث تجده واثقا من قوله، وإذا عمل تراه راسخا في عمله، وحين يتجه تلقاه واضحا في هدفه، فكرته تملأ عقله، وعاطفته تعمر قلبه، لا يعرف التردد سبيلا إلى نفسه، ولا يسلك العجز طريقا إلى عزمه، يحيا مع الناس شخص ذو مبدأ يعرف منهم وينكر بميزان الحق، الذي يراه ويؤمن به، ومنه يشاركهم أو ينصحهم نائيا بنفسه عن مشاركة خطأ أو مجاملة نفاق.
المؤمن الفطن لا يعطي عموم الناس حقا يفوق منطق العقل، أو ينحرف عن ميزان الخلق، فما أكثر مَن يجهل موازين العقل أو ينحرف عن معيار الخلق، ويأخذ الفضائل من ينابيعها الأصلية الثابتة في آداب الإسلام ومصادره، ويبني سلوكه وحاضره ومستقبله عليها غير مبالٍ بمَن ينكر عليه أو يهجوه، وغير مكترث برضا أحد أو غضبه، متمثلا قول الشاعر:
ما يضير البحر أمسى زاخرا
إن رمى فيه غلام بحجر
إن الفرح الزائد بمدح الآخرين لك والانزعاج المفرط بقدحهم فيك، ما هما إلا انشغال بتعليقات عابرة ممن ينشغل بشؤون غيره للحظات عابرة، وعند التحقيق تجد معظم هذه التعليقات لا وزن لها، أو مدخولة الدوافع، وتكون الحصيلة أوهاما تأخذ إتقانك من عملك وراحتك من ليلك، لأنها تشوش على عقلك وتنال من عزيمتك، وتوهن من وسائلك، وتقعدك عن أهدافك.
ومع نفسه فالمؤمن الفطن يحاسبها أشد من حساب البخيل لشريكه، يعرض يومه على أمسه، ولا يكتفي بنظرة خاطفة لبعض أعماله البارزة، بل يرصد منازل ارتفاعه ومواطن انخفاضه في كل شيء، ونصيبه من الربح والخسارة، فيكون على بصيرة بمقدار ما يفعل من خطأ أو صواب.
إن الحساب الدقيق، الذي لا يترك كبيرة ولا يتسامح مع صغيرة، والرقابة اليقظة التي تعتمد على الأرقام والبيانات، يرتقيان بصاحبهما على سلم الكمال في بناء نفسه والتخطيط لحاضره ومستقبله، وفي الأثر: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم».
يجب أن تكون شاعرا بقوة ما بداخلك وروعة الإيمان به، فإن لم تستطع فرضه على ما حولك، ستبقى راسخا لا يستعبدك عرف غالب ولا تقاليد سائدة، ربما جرت عليك آلام الحاضر وهموم المستقبل.
وأقوى ما يحفظ عليك ثقة النفس، ويمنحك ثبات الخطوة، ويديم عليك رسوخ العلم، هو الإيمان بالله وتوحيده وإفراده بالسؤال والاستعانة، لأنه يعطيك العزم الذي لا يخور، وتجارته لن تبور، ويجعلك ترفض الهوان لنفسك، لأنك تعيش على الأرض رفيع القدر بانتسابك إلى السماء.