الحمد لله على قضائه وقدره، الحمد لله على لطفه ورحمته، اللهم لا اعتراض على قدرك فالحمد لك.
انطفأت شمعة منزلنا، نور دربنا..
غابت الشمس وأخذت معها الدفء والأمان..
تلاشى صوت العصافير وطار الحمام بالأرجاء واختفى..
ذبل الزرع، ومات الفُل، وعم الصمت..
حكايتها لم تنته، اسمها لا يزال في الأرجاء، في مجالس الذكر، بين الأصحاب، على مواقع التواصل الاجتماعي يُذكر بكل خيرٍ وحب، حتى هاتفها لا يزال يرن ويستقبل الرسائل، مجموعات الدعوة للتوحيد ومراجعة القرآن محتفظة بإشراك اسمها وهاتفها والدعاء لها.
نعم.. ذهب الوجه البشوش والقلب الحنون وترك لنا ذكرى طيبة عطرة نفتخر بها، حزَنَ على رحيلها كل شخص عرفها، وتأثر كل مَن سمع خبر وفاتها، حتى مَن لم يعرف عنها غير اسمها، ذهبت وتركت مئات الذكريات وغصة في القلب.
توفيت والدتي في أحب الأيام وأقربها لقلبها، توفيت يوم الجمعة بين العصر والمغرب قبل أن تغرب الشمس في الساعة الخامسة مساءً، والحمد لله على حسن الخاتمة في يومٍ فضيل.
كانت قصتها مع يوم الجمعة غريبة جدًّا، كانت تحاول التفرغ له ما استطاعت، تفضل أن يكون الغداء من الخارج لكي لا تنشغل عن ذكر ربها بالطبخ، تؤجل كل المواعيد النهارية لتتفرغ لعبادتها، تصلي الظهر وتقرأ سورة الكهف وتلهج بالدعاء والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى غروب الشمس.
تمشي في الحديقة الخارجية لمنزلنا قرابة الساعة ومن ثم تدخل لتنادي كل مَن في المنزل ليترك هاتفه وما أشغله ليستغل هذه اللحظات الأخيرة من يوم الجمعة، وهنا يكمن السر..
كافأها الله بخاتمة حسنةٍ في أحب الأوقات لقلبها.. يوم الجمعة، بعد معاناة مريرة، ومرض أهلك جسدها الطاهر، وابتلاء عظيم.. ما واجهته إلا بالصبر والاحتساب والرضا والاطمئنان بقضاء الله وقدره.
خبر وفاتها كان الفاجعة والصدمة الكبرى.. رحلت رفيقتي.. رحلت الأم والصديقة، رحلت وتركتني وحيدة، رحلت وانفطر قلبي وانكسر ظهري، كم تبدو هذه الحياة رتيبةً لا طعم لها ولا لون بلا ضحكتك، توجيهاتك ونصائحك، تنبيهاتك وإرشادك، كم صارت الأيام جادّة تمتحننا في كل دقيقة بعد رحيلك، كم بات هذا الحمل صعبًا ومهلكًا، ولكم يعتصر هذا القلب شوقًا لحضنك..
العزاء والسلوى لنا بأنك بين يدي رحيمٍ لطيف، ضماد جراحنا وبلسم صدورنا يقينُنا بالرّوْح والريحان الذي يحفّك، والنور الذي يملأ قبرك وقلبك عند أرحم الراحمين..
عزاؤنا بأن اللقاء له يومٌ لا بدّ آتٍ، وبأننا كلّما تعاقبت علينا الأيام بثقلها ومرارتها فهي -على الأقل- تقربنا من يوم لقائك، ولعلّ لنا لقاءً فيه قرارنا بفردوس الله الرحمن الرحيم.
@nanomomen