شكراً جزيلاً... عبارة صغيرة في تكوينها اللغوي لكنها ذات أثر سحري وعظيم على كل مَن يُسدي لك معروفاً أو يُقدم لك هدية أو يُنجز مهمة، ومع الأسف يغفل عنها البعض بقصد أو بغير قصد، مع العلم بأن شكر الناس خلق إسلامي عظيم حث عليه نبينا الكريم -ﷺ- ففي الحديث يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: (مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله)، ومعنى الحديث وفق ما بينه أهل العلم أن مَن كانت طبيعته وخُلُقه عدم شكر الناس على معروفهم لسوء تصرفه، ولجفائه، فإنه يغلب عليه في مثل هذه الحال ألا يشكر الله تعالى. لذا فنحن كمجتمع مسلم مطالبون بإشاعة ثقافة الشكر والامتنان والتواصي بها بيننا وتربية أبنائنا على ذلك حتى تصبح مهارة تمارس في محيط الأسرة والمجتمع وبيئة العمل، وتعظم الحاجة لإشاعة سلوك الشكر عند أولئك، الذين يتولون أدوار القيادة والإشراف على غيرهم من الناس في الفئات الآنفة الذكر.
والشكر بالقول هو أقل مراتب هذه المهارة، ومن أمثلة ذلك قول بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً ونحو ذلك من العبارات المشابهة، ففيها الشكر والدعاء وتعتبر رداً للجميل والإحسان لأصحاب المعروف، بينما المكافأة هي أعلى درجات التعبير عن الشكر والامتنان، وقد روي عن النبي الكريم -ﷺ- قوله: (مَن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه).
بالإضافة إلى كون الشكر خلقا إسلاميا كريما ينال عليه الناس الأجر والمثوبة عند ممارسته، فقد وُجِد أن للشكر فوائد ومكتسبات أخرى على مستوى الفرد والمجتمع، حيث أشارت الدراسة البحثية، التي أجراها الدكتور روبرت إيمونز رئيس تحرير مجلة الإيجابية وأحد أبرز العلماء الباحثين في مجال الشكر والامتنان وعلم النفس العاطفي، إلى أن إشاعة ثقافة الشكر بين أفراد المجتمع تؤدي إلى رفع مستويات السعادة وتقليل حالات الاكتئاب وتنعكس بدورها على الحالة العاطفية والنفسية والمناعية لأفراد المجتمع فتُنتج لنا مجتمع صحي وسعيد، كما نشرت مجلة «سينتفيك ريبورت» العلمية بحثاً طبياً يؤكد وجود تحسن ملحوظ لبعض المؤشرات الحيوية بين أولئك الذين يمارسون مهارة الشكر والامتنان فيما بينهم.
كما أثبتت الدراسات أيضاً أن هنالك ارتباطاً وثيقاً بين الشكر والإبداع، فإشاعة ثقافة الشكر والامتنان تعمل على تحفيز الطاقة الإيجابية في الدماغ وبالتالي تطوير العمليات العقلية مما ينتج عن ذلك تبني سلوك التفكير خارج الصندوق والإتيان بحلول إبداعية جديدة، ويعمل الشكر أيضاً على تحفيز الإنسان داخلياً ودفعه إلى بذل مزيد من الجهد والإنجاز في أي مهمة توكل إليه.
ختاماً حري بنا تعلم وممارسة هذا السلوك الاجتماعي الجميل وترسيخه فيما بيننا حتى يكون ثقافة سائدة في بيئتنا مستشعرين في ذلك فضله الديني ابتدأ والمردود الكبير علينا وعلى مَن حولنا من ممارسته، كما أنه مؤشر على رقي أخلاق وقيم أفراد المجتمع، وأحق من يجب علينا شكره وإظهار الامتنان له في المقام الأول هو المولى عز وجل صاحب الفضل الأكبر والممتن علينا بالعديد من النعم، التي لا تعد ولا تحصى امتثالاً لقوله تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).
(@abolubna95)