السياحة داخل الوطن سلوك وطني نبيل، تحبه النفوس، وتألفه القلوب. فهي تحيطك علمًا بما حولك، وتجعل منك عارفًا بالأمكنة والديار. فكيف إن كانت وطنك بالأساس.
لقد تكلم القدماء منذ مئات السنين عن السياحة وفوائدها، ومنهم الإمام الشافعي "رحمه الله"، الذي كتب أبياتًا خالدة عن هذا الموضوع، فقال من قصيدة في الغربة والسفر منها:
تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلى
وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ
تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ
وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِد
والغربة ليست السفر، كما يرى الشافعي، فقد قيَّدها بطلب العلم، وقيَّد السفر بأمور أخرى؛ لأنه يُعِد السفر ترويحًا عن النفس، وطلبًا للمعيشة، ومنه تكتسب الآداب، وصحبة الأماجد من الناس.
واليوم، وبعد عقود من إطلاق هذا المفهوم الجميل إلا أننا بحاجة لاكتشاف المزيد من خصائص بلادنا؛ لنبرز جوانبها السياحية للعالم.
إن المردود الذي ينتج عن السياحة يشكل دعمًا قويًّا لمؤشر الاقتصاد. والمجتمع هو رأس السهم نحو هذا الهدف الواعد، فإن أحجم عن الوصول إليه، فهذا يعني أننا أضعنا من أيدينا فرصًا أصبحت من نصيب الغير.
قد يرى البعض أن السياحة خارج الوطن ملاذًا آمنا للأسرة، من حيث التكلفة، وهذا صحيح، لكنه لن يكون ملاذًا من حيث الأمن. فقد رأينا مشاهد يندى لها الجبين، وسمعنا قصصًا مروّعة لعائلات سعودية ترتاد بعض الدول، وتعتقد أنها أفضل من الوطن الأم.
أما من ناحية الكلفة، فإننا نتطلع من هيئة السياحة إلى ندب كوادرها للسيطرة على الأسعار وجعلها مقننة حسب رؤية الحكومة الراشدة.
وبذلك يقطع دابر التبرير والتذمر، فيما يخص التكلفة.
إن الليالي الملاح والذكريات الحية هي التي تتشكل على أرض الوطن؛ لأنها خالية من القيود التي تفرضها المجتمعات الأخرى. ففي بلادك لن تكون على أعصابك، بل ستكون مدركًا لما تفعل. تمامًا كما قال الشافعي.
[email protected]