مع قرب الاحتفال باليوم الوطني السعودي 92 تتجدد الحاجة إلى استعادة حكاية نشأة المملكة وسرد تفاصيل توحيد مملكة نجد والحجاز وملحقاتها.
يبدأ التاريخ السعودي منذ 23 من سبتمبر عام 1932 يوم توحيد البلاد بموجب مرسوم ملكي، وضم الحجاز ونجد وملحقاتها، تحت اسم المملكة العربية السعودية.
التأثير المباشر الرئيسي لهذه الخطوة كان تعزيز وحدة المملكة، وبدء نهضة تشمل جميع المجالات، ازدهر من خلالها المواطن السعودي، ليجوب آفاقًا أرحب.
المدى الجغرافي وطبيعة نجد
تشغل نجد أكبر مساحة في شبه الجزيرة العربية، وتشمل الأراضي الممتدة من قريات الملح شمالًا إلى وادي الدواسر جنوبًا، ومن حدود الأحساء شرقًا إلى حدود الحجاز غربًا.
ويختلف المناخ في هذه المساحة الشاسعة حرارة وبرودة، ويغلب على نجد الجفاف، وتكثر الآبار والمياه الجوفية في بعض المناطق مثل منطقة الرياض، ومنطقة القصيم.
والطبيعة في بعض الأماكن من نجد قاسية، ولعل شدتها كانت سببًا في كثرة الحروب والنزاعات بين القبائل قبل قيام الدولة السعودية، بحسب كتاب "الأخبار النجدية" لمحمد بن عمر الفاخري، طباعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ونجد بلادًا فسيحة تتركز قبائلها في الأماكن التي بها عيون وآبار، وقد فرض هذا الواقع الجغرافي الفردية السياسية التي كانت طابعًا مميزًا في نجد، قبل توحيد الدولة السعودية.
وكان نظام الحكم قبليًا، وللعرف والتقاليد أكبر الأثر، فلم تكن هناك مؤسسات وإنما سلطة الأعراف والتقاليد.
إرهاصات الدولة السعودية
في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) جاء مانع بن ربيعة المريدي -جد آل سعود- بأسرته من مكان قرب القطيف إلى وادي حنيفة، حيث منازل قبيلته، وهي إحدى قبائل ربيعة العريقة، وهي قديمة في المنطقة منذ ما قبل الإسلام بما يزيد على 200 سنة، وتحكم حواضر المنطقة الواقعة على ضفاف وادي حنيفة.
ويستمد آل سعود تسميتهم من اسم جدهم سعود بن محمد بن مقرن، الذي بنى دارًا للإمارة في الدرعية، وبتولّي الأمير محمد بن سعود إمارة الدرعية بدأ عصر جديد في تاريخ الجزيرة العربية.
وجاء قيام الدولة السعودية استجابة لتحدي الركود الذي أصاب العالم العربي والإسلامي، وفق نظرية التحدي والاستجابة في التاريخ لأرنولد توينبي.
كانت الأمية تغشى معظم شبه الجزيرة، وواجهت دعوة الإمام محمد بن سعود حشدًا من الأعداء، تصدَّى لها، وتابع خلفاؤه من بعده جهود توحيد شبه الجزيرة، في الدولة السعودية الأولى والثانية.
فاستطاع الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود أن يضم الرياض وغيرها من المناطق والمدن، وخلفه الإمام سعود بن عبد العزيز فأتمّ ضم الحجاز ونجران وعسير.
وأعقب ذلك فترة تراوحت خلالها مسيرة الدولة السعودية بين استباب السيطرة والتصدي لتحركات الخلافة العثمانية في هدم مساعي التوحيد، حتى رحل الإمام عبد الرحمن والد الملك عبد العزيز إلى الكويت، ليعود الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود إلى الرياض ويسترد إمارتها لأبيه ويغيّر قدر شبه الجزيرة العربية.
"سلطان نجد وملحقاتها".. ضم الأحساء وعسير
تمكَّن الأمير عبد العزيز آل سعود من السيطرة على نجد وملحقاتها، بعد أن ضم الأحساء وعسير في حكمه عام 1920م، لينصّب "سلطان نجد" في مؤتمر الرياض.
وكان الملك عبد العزيز -رحمه الله- قد عقد صلحًا مع سعود بن عبد العزيز بن رشيد، وقرر ضمّ الأحساء، فخرج من الرياض بسرية تامة متّجها نحوها، ووضع خطة قصد بها التمويه على قبائل العجمان وآل مرة بأنه يريد غزو الشمال، لكي لا ينضموا إلى العثمانين الأتراك، ولكي لا يكونوا موجودين قرب الأماكن المهمة في الأحساء.
ووصل الملك عبد العزيز -رحمه الله- إلى سور الكوت، وتسلق بعض رجاله حصن الكوت ورموا الحبال إلى الباقين الذين لم يتسلقوا، فلما تكاثر الرجال داخل الكوت، أعلنوا دخول البلاد في حكم الملك، وضعفت مقاومة العثمانيين الأتراك واضطروا إلى التسليم، وبعدها ضم الملك المناطق الأخرى التابعة للأحساء.
ولاحقًا، جهز الملك عبد العزيز -رحمه الله- جيشًا إلى عسير بقيادة الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي، وسار ابن جلوي لقتال ابن عائض، والتقى معه في موقعة حجا 1338 هـ/ 1920 م، استسلم فيها حسن آل عائض، وتمكّن عبد العزيز بن مساعد من دخول أبها قاعدة عسير، حتى أكمل السيطرة عليها بالوصول إلى حدود المخلاف السليماني سنة 1338 هـ/ 1920م.
وبعد ضم عسير، عقد مؤتمر الرياض عام 1920م وجرى إعلان السلطنة في نجد وملحقاتها، واتخذ الملك عبد العزيز -رحمه الله- (وكان حينها في عمر 46 عامًا) لقب "سلطان نجد وملحقاتها"، فكان اللقب الرسمي بعد أن كان يتلقب بلقب أمير نجد ورئيس عشائرها.
ملك الحجاز ونجد وملحقاتها
أصبح لقب ملك الحجاز ونجد وملحقاتها لقبًا للملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- بعد أن حوَّل سلطنة نجد وملحقاتها إلى مملكة عام 1927م.
وبعدما جرت مراسم البيعة في الحجاز، وألقى جلالته (وكان حينها في عمر 52 عامًا) خطابًا عامًا أكد فيه أهمية الوحدة ولم الشمل، بايعه الأعيان والعلماء والقضاة والسادة، لتتوالى الوفود والبرقيات من مختلف الجهات الحجازية لإعلان البيعة.
وفي 25 من رجب عام 1345هـ/يناير 1927م، بايعه أهل نجد ملكًا عليهم، لتتحوّل سلطنة نجد إلى مملكة، ويصير لقبه "ملك الحجاز ونجد وملحقاتها"، وتصير البلاد "مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها"، أو " المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها".
وظل الوضع كذلك حتى 1932م، عام إعلان قيام المملكة العربية السعودية بجميع حدودها وأراضيها المعروفة.
واستمرّ حكم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود -رحمهم الله- نحو 54 سنة، وتوفّاه الله في بيته، ويرجع له الفضل في وضع اللبنة الأساسية للدولة السعودية الحديثة، وقد تولى حكم السعودية من بعده 6 ملوك.
وارتسمت على أرض المملكة العربية السعودية ملحمة تمكن فيها الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- من جمع قلوب أبناء وطنه وعقولهم على هدف واعد نبيل، وبتوفيق الله وبما حباه من حكمة، وصل الملك إلى إرساء قواعد وأسس راسخة لوطن الشموخ.
