«من بحرها للبحر ديرتي كلي فخر». وبعد... ما أجمل هذا القول في يومنا الوطني. نقول بهذا، فماذا عساه يقول الوطن عن إنجاز كل مواطن؟ هكذا تخيلته يحدث. فكان مقالي هذا تعبيرا عن مشاعر نفخر بها، نسجلها للوطن وميضا مستدام العطاء. أيضا مشاعر عن النفس نفخر بها أمام الوطن، ويفخر بها الوطن. كنت ابن دولة تبنت تعليمي في جميع مراحله، حتى حصولي على إجازة الدكتوراة. عندما استعرض محطات ذلك التعليم أشعر بفخر عالي المقام، يعمل على تعظيم أهلي في الوطن، ويعظم الوطن في نفوسنا نحن أهل الوطن.. كلي فخر.
من اللحظات المشرقة في حياتي، وأذكرها عن غيرها، كونها حصلت بجهد شخصي، وإمكانيات قدمها الوطن للجميع. فأذكر قبل تخرجي من جامعة الملك سعود (الرياض سابقا)، الاحتفال بالبدء في بناء حرم الجامعة. كان أكبر حرم جامعي في العالم. لم أحضر الاحتفال لظروف الدراسة، لكن استلمت كطالب خارطته الملونة، ما زالت مرسومة في ذهني وستظل. شعرت بالأسف لأنني سأتخرج قبل مشاهدة حلم تحقيقه، فاعتقدت بأنني لن أراه أبدا.
تخرجت.. وتوالت السنين، فوجدت نفسي أدخل الحرم الجديد بعد أن أصبح حقيقة. دخلت زائرا مرفوع الرأس كإنجاز، حيث أصبحت عضو هيئة تدريس في جامعة الملك فيصل. في وقتها تذكرت لحظة مشاعري السابقة كطالب، وكيف تحقق لشخصي هذه النقلة، بفضل جهود جعلتني أردد: الدكتوراة إنجاز دولة وعطاء علم.. كلي فخر.
في موقف آخر أشد إشراقا وفخرا، عندما كنت طالبا في نفس الجامعة، لمحت إعلانا في إحدى ردهات الكلية يعلن عن محاضرة للأمير محمد الفيصل رحمه الله. كانت عن جبال الثلج التي كان يروج لها كمشروع استثنائي لتزويد المملكة بالمياه العذبة. حضرت المحاضرة كطالب طموح، لكن (منتف الهيئة والإمكانيات). كانت في قاعة المؤتمرات في فندق بالرياض. لن أحدثكم عن المحاضرة، لكن أحدثكم عن شيء آخر يسجل للوطن. واعتقد أن الوطن يسجله لشخصي أيضا فخرا وإشادة بـ(ابنه). حيث دارت السنين فوجدت شخصي في نفس القاعة للمرة الثانية. لكن هذه المرة كعالم سعودي، يتحدث عن الماء بنفس التطلعات. تذكرت المشهد السابق، فبكيت في حينها شكرا وحمدا لله. دعوت للوطن وقياداته وأهله.. كلي فخر.
الصور والمشاهد الجميلة والمؤثرة أكثر من حصرها. لكن بعد تقاعدي عام (2016م)، وجدت نفسي أكثر عطاء لوطني. فأنجزت (15) كتابا، منها (7) عن المياه. وكنت أنجزت (5) كتب قبل التقاعد، منها (3) عن المياه. جعلت الماء قضيتي العلمية في الحياة. وسخرت وقتي وعلمي وجهدي لخدمته. لكن لماذا الماء بالذات؟ ببساطة يعود السبب لثلاثة أمور، جعلته محور تخصصي العلمي: أولها.. ندرة المياه في المملكة؛ ثانيها.. أهمية هذا الماء في ظل ندرته ومحدودية موارده الطبيعية؛ وثالثها.. زيادة الطلب على الماء في جميع القطاعات السكنية، والزراعية، والصناعية.
في اليوم الوطني 92، أقدم كتابي العاشر الجديد عن المياه. وقد أنجزته حُبّا وانتماء وولاء بغير حدود. الكتاب يمثل امتداد فلسفة فكر وأفكار أطرحها لإنقاذ المستقبل من العطش. أصبح في طور إجراءات الإعداد لطباعته. رأيت في هذه المناسبة الوطنية الملهمة أن احتفل بهذا الإنجاز معكم أنتم وطني وأهلي. جاء الكتاب بهذا العنوان: (بيشة الموقع الإستراتيجي لقياس مستقبل وضع المياه الجوفية في المملكة العربية السعودية). ثم وضعت عنوانا ثانيا فرعيا أسفل العنوان الرئيسي يقول: (الخارطة البيئية المناخية الجيولوجية لتغذية المياه الجوفية). عنوان يوحي ويقول لخدمة الوطن.. كلي فخر.. كلي فخر.
ورد التعريف التالي على غلافه الثاني قائلا: (هذا الكتاب يجسد حقيقة ستصبح الذاكرة الجديدة لـ (بيشة). عنوان هذه الحقيقة هو: بيشة بوابة الماء. حيث يمكن بواسطة هذه البوابة قياس وضع المياه الجوفية في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية. وفقا لنظرية المؤلف التي يقدمها هذا الكتاب بكل فخر). وبعد... «من بحرها للبحر ديرتي كلي فخر».
twitter@DrAlghamdiMH