توقع المشرف العام على وحدة الرؤى والدراسات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد والتخطيط د. ياسر فقيه أن تنخفض معدلات التضخم في المملكة في العام المقبل، نتيجة السياسات النقدية التي اتبعتها الدولة، مما أسهم في امتصاص التضخم، مشيرًا إلى أن من المتوقع أن تصل نسبة التضخم في السعودية إلى 2.6 % بنهاية 2022، وتواصل مستوياتها في 2023، فيما تتراوح معدلات التضخم السنوي في مجموعة العشرين 7% - 9%.
وقال خلال ورشة عمل بعنوان «أثر التضخم على القطاع التجاري» نظمتها غرفة الشرقية (افتراضيًّا) أمس الثلاثاء: إن متانة الاقتصاد السعودي يساعد على التعامل مع آثار التضخم وتخفيف تبعاته، مؤكدًا أن المملكة من أقل الدول تأثرًا من موجة التضخم العالمي؛ إذ سعت منذ البداية لإيجاد مناشئ بديلة للسلع الأساسية (أستراليا - البرازيل).
وأضاف: إن المملكة واصلت دعمها للعديد من السلع الغذائية الرئيسية، وكثفت وزارة التجارة جهودها عبر الجولات الرقابية لرصد التغييرات غير المبررة في الأسعار، بالإضافة لذلك فإن المملكة استمرت في تثبيت أسعار البنزين، بالإضافة إلى توفير دعم إضافي عبر حساب المواطن ومستفيدي الضمان الاجتماعي.
وأشار إلى أن تأثير زيادة ضريبة القيمة المضافة على التضخم تراجع في 2022، بخلاف الأثر الذي تركته في عام 2021، مبينًا أن المملكة عمدت خلال السنوات الأخيرة في تنويع الإيرادات، لتشكّل الإيرادات غير النفطية (50%)، مما يعطي المملكة مساحة للتحرك والمناورة للتحفيز الإنفاقي في بعض القطاعات.
وأكد أن فقدان القوة الشرائية له تأثير على التكلفة الإجمالية للمعيشة، فهو بمثابة «ضريبة» مبطنة على المدخرات وعلى أصحاب الدخل الثابت، مضيفًا أن تفاقم التضخم يؤدي إلى إحجام الناس عن الاستهلاك بنفس الوتيرة، مما يسبب خسائر لأصحاب الأعمال، وبالتالي تباطؤ النمو الاقتصادي.
ولفت إلى أن البنوك المركزية تتعامل مع مشكلة التضخم باستخدام بعض الأدوات التي تساعد على إبقاء التضخم ضمن الحدود المقبولة من خلال السياسات النقدية، مثل خفض كمية النقود المعروضة عبر رفع سعر الفائدة لخفض التضخم، موضحًا أن التشدد في السياسة النقدية يقود إلى الركود الاقتصادي؛ مما يجعل الدول تقبله على مضض من أجل كبح جماح التضخم.
وأفاد بأن الحكومات تقوم من خلال السياسات المالية بدعم بعض السلع الأساسية كالمواد الغذائية، ومنتجات الطاقة؛ للتخفيف من الأعباء المالية على ذوي الدخل المحدود، بالإضافة إلى صرف معونات مباشرة للمستحقين.
ودعا القطاع الخاص لمحاولة تحسين كفاءة الإنفاق، والنظر في حلول الأتمتة، فضلًا عن تقديم حلول للتسهيل على المشتري (كالدفع على أقساط)، بالإضافة إلى توفير منتجات ذات جودة أعلى، وسعر أقل، خصوصًا أن التضخم سيؤثر على الطلب، ويغيّر سلوك المستهلك على المدى البعيد. وذكر أن العام يشهد حاليًّا زيادة في معدلات التضخم، مما يدفع الدولة لاتخاذ الإجراءات لكبح جماح هذه الظاهرة للحيلولة دون التمكن من اقتصاديات الدول، مضيفًا أن التضخم العالمي مرتبط باضطراب سلاسل الإمداد أثناء جائحة كورونا، وكذلك الصراع في أوروبا وأيضا الإغلاقات في الصين، مما أدى إلى نقص كميات بعض السلع المهمة.
وبيَّن أن وفرة المدخرات ساهمت بدورها في زيادة كبيرة في الطلب العام الماضي، مضيفًا أن التضخم يمثل انخفاضًا في القوة الشرائية لكل وحدة من عملة الدولة.
وأشار إلى أن عوامل التضخم تتمثل في ارتفاع الطلب وارتفاع تكاليف الإنتاج، لافتًا إلى أن التضخم العالمي ساهم في ارتفاع أسعار الزراعة وأسعار المنتجات الصناعية وأسعار منتجات الطاقة، فيما جاء ارتفاع أسعار تلك السلع نتيجة صعوبات في سلاسل الإمداد منذ جائحة كورونا، وكذلك التخوف من نقص في العرض؛ مما أدى إلى سياسات حمائية من بعض الدول، وأيضًا نقص العرض الفعلي نتيجة الصراع وضعف الإنتاج، بالإضافة إلى أن مخاطر الاضطرابات الاجتماعية باتت مؤرقة، خصوصًا في ظل اعتماد الكثير من الدول النامية على منتجات الحبوب الروسية والأوكرانية.
وقال إن أسعار الشحن الجوي ارتفعت بنسبة 20% مع اضطرار دول أوروبا وأمريكا الشمالية إلى تجنب الطيران فوق المجال الجوي الروسي، وكذلك تسبب إغلاق موانئ البحر الأسود في زيادة مستمرة في أسعار الشحن البحري، كما أن اضطراب النقل البري قد يشكّل مخاطر إضافية على اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي، ورغم محدودية هذا القطاع، مبينًا أن أسعار الغاز في أوروبا ارتفعت بنحو 5 أضعاف منذ منتصف 2021، الأمر الذي يفرض ضرورة خفض استهلاك الغاز أو استبداله.
وأشار إلى أن قمة التضخم في المواد الخام تراجعت على المستوى العالمي، حيث كانت قمة التضخم في أبريل الماضي، مرجعًا ذلك إلى تراجع المخاطر على المستوى العالمي، بالإضافة إلى زيادة أسعار الفائدة؛ إذ انخفضت أسعار البتروكيماويات بالقياس إلى قيمتها في أبريل الماضي، وكذلك تراجعت أسعار الحديد عالميًّا، فيما تسهم زيادة أسعار الفائدة في تباطؤ الطلب في الاقتصاديات العالمية.
وأوضح أن المستهلك مع ازدياد التضخم يقلل الإنفاق على السلع الكمالية، بالإضافة إلى شراء المنتجات من المحلات التي تبيع بأقل تكلفة وبأسعار معقولة، فضلًا عن البحث عن بدائل للمنتجات ذات العلامات التجارية العالمية ذات الثمن المرتفع.