اختتم معرض (نيوم) لتصاميم مدينة المستقبل (ذا لاين)، الذي انطلق من (6) إلى (26) سبتمبر (2022م)، في معارض الظهران الدولية (الظهران إكسبو).
إن الأحلام الكبيرة هي التي يذكرها ويخلدها التاريخ، فقد بنى بغداد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، ثم أصبحت منارة العالم في عهد المأمون ومن بعده، ويُذكر عن الإمام الشافعي «رحمه الله» أنه قال عنها: مَن لم يرَ بغداد لم يرَ الدنيا ولا الناس.
فأما اليوم، وبقيادة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان «يحفظه الله»، فقد قال عن مدينة المستقبل: «اليوم (ذا لاين) تحقق مثالية العيش، وتعالج التحديات المُلحَّة التي تواجه البشرية، محققة بذلك التناغم التام بين التنمية الحضرية، والحفاظ على الطبيعة بكل مواردها».
واسمحوا أن أبدأ بالحديث عنها بالأرقام والإحصائيات؛ لأنها ستبيِّن حجم الطموح والهِمَّة في الجمع بين الحضارة والتقنية والبيئة في تناغم وتفاهم كأنهم عُشَّاق.
ومدينة ذا لاين ممتدة على طول (170 كم)، وارتفاع (500م) وعرض (200م) من جبال نيوم شرقًا حتى البحر الأحمر غربًا. وهي تمر على ساحل صحراوي، والجبال والأودية المرتفعة، ومع ذلك سوف تحافظ على (95 %) من البيئة المحيطة دون تأثير؛ لتحافظ على سحر الطبيعة وروعتها، وبدون تدخُّل الإنسان. والأرقام تقول لنا أيضًا إن مساحة البناء (2 %) من مساحة المدن التقليدية، حيث إنها ستُبنى عموديًّا لا أفقيًّا من أجل التأكيد على المحافظة على البيئة والطبيعة الخلابة المحيطة.
ومن أسباب اختيار موقعها الإستراتيجي أنها من أكثر المناطق اعتدالًا في المناخ طوال السنة، وبها تضاريس متنوعة. ومما يميّز الموقع أيضًا أنه على بُعد (6) ساعات جوًّا من (40 %) من سكان العالم، وأن (13 %) من تجارة العالم التي تمر عبر البحر الأحمر.
وأما من ناحية الطاقة، فهي متجددة من استخدام للطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين. وستكون خالية من السيارات، حيث لا ازدحام ولا اختناقات مرورية من أجل صفر انبعاثات كربونية.
وقد روعي في تصميمها الوصول إلى جميع المرافق في (5) دقائق مشيًا على الأقدام، ودقيقتين من أجل الوصول المباشر إلى مناطق الطبيعة.
أضف إلى ذلك أنه من أجل خلق توازن بين العمل والحياة الشخصية، سيكون هناك تقارب بين المرافق مثل: المكاتب، المتاجر، المساكن، الصحة، التعليم، الثقافة، والترفيه. وكل ذلك من أجل أن تكون رمزًا للمحافظة على بيئة نقية ومناسبة للإنسان في الحاضر والمستقبل.
وعودًا على بدء، وللتأكيد على فكرة أن الرؤى المستقبلية الرائدة تحتاج إلى عزيمة وطموح ومثابرة يقودها روح التفاؤل، فقد بدأت شركة (سابك) بحُلم وبداية متواضعة، ثم غدت تنافس على مستوى العالم.
ولعلي أشارككم ذكريات مَن عمل بها منذ البدايات. فقد قال الوزير والأديب الشاعر غازي القصيبي «يرحمه الله»، في كتابه (حياة في الإدارة): « كان القرار السادس والأهم، هو ألا يعمل في (سابك) سوى المؤمنين بحلم (سابك)، نحن قادرون على اقتحام ميدان التصنيع، واقتحامه بثقة وإصرار، لم يكن في المؤسسة الوليدة مكان للمترددين أو الخائفين أو المتشائمين. وأشهد أني لم أجد في (سابك) مترددًا واحدًا أو خائفًا واحدًا أو متشائمًا واحدًا».
وأضاف في هامش الكتاب تعليقًا هامًّا ورائعًا، حيث قال: «بدأت (سابك) في مبنى مستأجر متواضع. أذكر أن صحفيًّا بريطانيًّا زارنا أيامها، وكتب أنه دخل مبنى ضيقًا، في زقاق صغير، فوجد بضعة شبان يزعمون أنهم سيقيمون أضخم المجمعات البتروكيماوية في المنطقة.. لا تعليق!».
وبالمختصر المفيد، إن المملكة العربية السعودية تبني المستقبل اليوم وليس غدًا.
abdullaghannam@