كشف تقرير اقتصادي عن انخفاض تداولات قطاع السلع الأساسية للأسبوع الثالث على التوالي، مع تركيز السوق بشكل رئيسي على مخاطر التباطؤ الاقتصادي نتيجة تفاقم معدلات التضخم وجهود البنوك المركزية المتنامية للسيطرة عليه من خلال خفض النشاط الاقتصادي برفع أسعار الفائدة بشكل كبير.
وقال رئيس إستراتيجية السلع لدى "ساكسو بنك" أولي هانسن، في التقرير: إن تركيز البنوك تزايد خلال الأسبوع الماضي بعد بيانات التضخم الأمريكية المفاجئة لشهر أغسطس، والتي سجلت ارتفاعاً طفيفاً بدلاً من الانخفاض المتوقع، بينما ارتفعت معدلات التضخم الأساسي بنسبة 0.6% في الفترة نفسها، باستثناء أسعار الأغذية والطاقة. ويُبرز هذا الواقع المهمة الصعبة التي تواجه البنوك المركزية للسيطرة على التضخم دون الإضرار بالآفاق الاقتصادية.
4.5 % أسعار الفائدة المتوقعة في 6 أشهر
وأدت مستويات التضخم إلى ارتفاع جديد في أسعار الفائدة المتوقعة من اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة. ومن المتوقع وصول أسعار الفائدة النهائية الصادرة عن الاحتياطي الفدرالي إلى 4.5% في غضون ستة شهور، حيث ارتفعت بنسبة نحو 1% في الأسبوع الماضي وحده، لتتخطى الأسعار الحالية بنسبة 2% تقريباً.
وأدى ذلك إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي إلى مستويات غير مسبوقة أمام 11 من العملات الرئيسية، وازدادت العائدات الأمريكية لعامين إلى مستوى قياسي خلال 15 سنة بنسبة 4% تقريباً.
ويواجه الطلب على السلع الأساسية اليوم بعض الصعوبات، نتيجة أزمة الطاقة المتواصلة في أوروبا، إضافة إلى أزمة القطاع العقاري والتباطؤ الذي تعاني منه الصين نتيجة تمديد فترة الإغلاق.
وجاء في صدارة عمليات البيع منتجات الوقود، مثل الديزل والبنزين، إلى جانب السلع بالغة الأهمية في الصين من النحاس إلى القطن، في حين تركز الاهتمام على هبوط الذهب إلى ما دون سعر الدعم عند 1680 دولاراً ليبلغ أدنى مستوياته منذ عامين ونصف العام.
وتضرر فول الصويا نتيجة تخفيض مخزون الولايات المتحدة والمخاوف من تكرر ظاهرة لا نينيا للعام الثالث على التوالي خلال الأشهر القادمة.
وارتفعت تداولات الغاز الطبيعي بعد أسبوع حافل بالتقلبات توازياً مع التوقعات بارتفاع درجات الحرارة في شهر سبتمبر، بينما تراجعت أسعار الغاز في أوروبا تزامناً مع سعي المفوضية الأوروبية للتوافق حول خطة لتأمين احتياجات المستهلكين والقطاع خلال موسم الشتاء.
وانخفض الذهب إلى ما دون مستويات الدعم الرئيسية حافظ الذهب على وضعية دفاعية على مدار الأسابيع الخمسة الماضية نتيجة تفاقم معدلات التضخم في الولايات المتحدة، ما أدى إلى ارتفاع عائدات الدولار والسندات الحكومية الأمريكية.
تراجع أسعار الذهب
وتراجع الذهب إلى ما دون مستوى الدعم الذي تحوّل إلى مقاومة عند 1680 دولار، مع اضطراب السوق نتيجة الزخم والبيع لأسباب فنية بسبب مخاطر رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 1% في الأسبوع المقبل. وواصلت السوق رفع سقف توقعاتها بشأن رفع الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة في الأشهر المقبلة.
ويكافح الذهب، الذي بلغ أدنى مستوياته في عامين ونصف العام، للدفاع ضد نية اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة رفع أسعار الفائدة، وقد يواجه تحديات متواصلة، إلى جانب المعادن الاستثمارية الأخرى مثل الفضة وبدرجة أقل البلاتين، حتى ظهور بعض دوافع المنحنى التصاعدي.
ظاهرة نينيا تؤثر على سوق الحبوب
تحذر منظمات الأرصاد الجوية الرائدة من خطر حدوث ظاهرة نينيا للشتاء الثالث على التوالي في النصف الشمالي للكرة الأرضية، وهو حدث نادر تكرر مرتين فقط في السابق وفقاً لشبكة بي بي سي البريطانية.
وقادت تقلبات درجة الحرارة حول العالم إلى نشوء العديد من حالات الطوارئ المناخية في عام 2022، مثل الفيضانات غير المسبوقة والجفاف وارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها المتوسطة.
وأشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى توقعات بأن تواجه بعض المناطق في العالم ظروفاً مناخية قاسية حتى نهاية العام الحالي وبداية عام 2023 نتيجة حدوث ظاهرة نينيا للسنة الثالثة على التوالي.
وقادت هذه التطورات الأخيرة إلى زيارة حالة القلق في سوق الحبوب، والذي حقق الأداء الأفضل هذا الشهر مع ارتفاع تداولات محاصيل الذرة وفول الصويا والقمح الرئيسية.
وكشفت وزارة الزراعة الأمريكية، في تقريرها حول مستويات العرض والطلب الزراعية في العالم، عن تراجع مخزونات الولايات المتحدة من الذرة وفول الصويا إلى أدنى مستوياتها منذ تسع أو عشر سنوات.
وتبقى أسعار القمح مدعومةً في ظل تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعادة النظر في بعض بنود اتفاقية تصدير المحاصيل الأوكرانية، التي ساعدت على استئناف التصدير البحري للمنتجات الزراعية، لكن بوتيرة أبطأ بكثير من معدلات التصدير قبل الحرب.
خسائر في منتجات الوقود
وسجلت منتجات الوقود، كالبنزين والديزل، خسائر ساهمت بشكل جزئي في تراجع تداولات النفط الخام هذا الأسبوع، إلا أنها بقيت ضمن نطاق الانخفاض الأخير، في ظل انتقال التركيز مرة أخرى نحو مخاوف الطلب على حساب مواجهة التحديات المُحتملة التي قد تواجه العرض خلال الأشهر المقبلة.
وتواصل الأسواق تركيزها بشكل رئيسي على المخاوف المرتبطة بالنمو والطلب، إضافة إلى زيادة قيمة الدولار التي أدت إلى ارتفاع كبير ومتزايد في تكاليف الوقود حول العالم، توازياً مع استعداد السوق لزيادة جديدة في أسعار الفائدة هذا الأسبوع من اللجنة الفدرالية للأسواق المفتوحة بهدف كبح جماح التضخم.
وفي سياق متصل، تواصل مستويات الطلب في الصين تراجعها، بعد كشف وكالة الطاقة الدولية عن توجه أكبر مستورد للنفط في العالم نحو تسجيل أكبر تراجع سنوي في مستويات الطلب منذ أكثر من ثلاثة عقود. وتراجعت وزارة الطاقة الأمريكية عن قرارها بتعبئة احتياطاتها النفطية الاستراتيجية بالتصريح بإنها لم تحدد سعر الإضراب، الذي كان من المتوقع أن يبلغ حوالي 80 دولار للبرميل، ومن غير المرجح أن يتم تحديده قبل نهاية السنة المالية 2023.
ويواصل ارتفاع أسعار الغاز والطاقة في أوروبا -وبشكل متنامٍ في آسيا- تعزيز مستويات الطلب على منتجات الوقود البديلة مثل وقود الديزل ووقود التدفئة.
أما على صعيد العرض، فمن المتوقع أن تراقب الأسواق تداعيات الحظر الأوروبي على إمدادات النفط الروسية، والتي ستبدأ بالتأثير على إمدادات النفط اعتباراً من شهر ديسمبر المقبل.
وحددت وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها الشهري الأخير لسوق النفط، قرار الحظر الأوروبي بوصفه السبب الرئيسي الذي دفعها لتوقّع تراجع إمدادات النفط الروسية بواقع 1.9 مليون برميل يومياً في مطلع عام 2023، ما قد يؤدي إلى شح كبير وجديد في العرض ما لم يتم تجنب ذلك بتوقيع اتفاقية سلام أو من خلال تطورات سياسية أخرى. ومن المتوقع أن ينعكس الركود الحالي على مستوى الطلب في الصين بمجرد رفع إجراءات الإغلاق، الأمر الذي سيعزز من شح العرض.
وسجلت تداولات عقود الغاز في مركز تي تي إف الهولندي لتداول الغاز تراجعاً للأسبوع الثالث على التوالي، مع مضي الاتحاد الأوروبي في خططه للحد من تداعيات أسوأ أزمة للطاقة منذ سبعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من انخفاض الأسعار بنسبة 43% عن ذروتها في 26 أغسطس قبل إغلاق خط السيل الشمالي 1، إلا أنها لا تزال أعلى بـ 12 ضعفاً من معدلها طويل الأمد.
وانخفض الطلب على الغاز بنسبة 15%، ومن المتوقع أن يسجل مزيداً من الانخفاض، إما من خلال تدابير التدخل الحكومية، أو عن طريق الترشيد الطوعي من المستهلكين الذين يتعرضون لضغط الأسعار الحالية المرتفعة للغاز والطاقة.
وتوقع أن تتمكن أوروبا من شق طريقها بصعوبة خلال فصل الشتاء، بافتراض حلول ظروف مناخية اعتيادية، وفي ظل التوجه المتزايد لتخفيض الطلب واستمرار روسيا بضخ الإمدادات الحالية نتيجة لعدم توافر جهات استيراد أخرى. أما في الوقت الراهن، فمن الضروري أن تحافظ أسعار الغاز على ارتفاعها لضمان تخفيض الطلب بشكل كافٍ.