@yan1433
عندما فكرت في تقاعدي المبكر لم يكن يعنيني كيف أقضي وقت الفراغ الكبير طوال الليل والنهار. ولم يكن همي من القرار حينها سوى الخروج من كوة المحاسبة وبوابة الأمانة، وبالتالي الحصول على الراحة والتخلص من قيام الصباح كل يوم، وكم كنت بين معاتب من بعض المحبين في اتخاذ مثل هذا القرار دون دراسة وبلا تخطيط. والحقيقة فلقد بقيت لفترة مستسلما بالمنزل ومقيما به بين النوم والمشاهدات، وبين الاختلاف والمشادات وخشيت على نفسي من ذلك النفق المكتوب على لوحته الجدارية الوقت قاتل خفي الفراغ منه يصنعه المبدعون، ويهدره الجاهلون. وكما أن للوقت ضرورات فله أبعاد أخطرها أخلاقية ونفسية مرتبطة بالفراغ الذي تتنزل عليك من قنواته الضغوط الصحية التي ستؤثر عليك وعلى أسرتك من خلال هذا الكم الهائل الذي قامت به وسائل التواصل في هذا الزمن المائل، الذي أثبت أن الشعور بالفراغ يزيد من خطر الوفاة بنسبة ٣٠٪ إن لم يدخلك في غياهب القلق والعزلة وربما يفاقم المشكلة إلى حد اللوم الزائد ومن ثم جلد الذات.
ولذلك فكلما رتبت نفسك ونظمت وقتك بالشكل المفيد فأنت ستكون آلفا مألوفا تحت إطار تلك الدوائر الإيجابية التي تضمن لك راحة البال، وكما أن الخروج عن المألوف يجنبك السأم والتغيير قد يجلب لك المتعة فإن التجديد قد يزيدك من المعرفة وسعة الاطلاع كقراءة كتاب أو رياضة أو ألعاب مسلية أو سفر أو زيارة لأقارب وأصدقاء، وإن كان المسلم بفطرته لا ينبغي أن يكون عنده وقت فراغ.
إن الوقت هو المساحة الزمنية الذي لا يقاس إلا بالإنجازات ولا يوزن إلا بالمعطيات وهو عطر الحياة ومفتاحه هو النسخة الأصلية لبوابة عملية التوازن التي ترى منها أن يومك إما مليء بالمواعيد وإما أن هاتفك لن يتوقف عن الرنين، وتظل تبحث عن فراغ تستريح فيه وربما لن تجده لأن من يحسن الظن سيجد لك عذرا، والأغلبية لا تنكر أن الراحة مطلوبة والترويح عن النفس ضرورة، والأخذ بالأسباب أيضا لا يعني بها عدم التوكل ومما يزيد من ضبابية الصورة في هذا المجال لصوص الوقت، وما أكثرهم، وما عليك إلا بتجاوزهم فالفراغ سلاح ذو حدين ومطلب من وجهين أحدهم إيجابي كلما استفدت منه والآخر سلبي كلما كنت في غنى عنه.