(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسعد الله صباحك دكتور محمد، أرسل لك هذا الإيميل، وكلي حرقة على ما يحدث من توسع لبعض شركات الألبان، بمناطق جديدة، ناقلة معها خرابها وإفسادها بالأرض. مؤخرًا استأجرت إحدى شركات الألبان أراضي جديدة بمنطقة حائل، وبدأت بحفر آبارها، وكل هذه الأراضي التي تعد مراعي طبيعية ستفسد، وسيستنزف خزانها من المياه الجوفية، وتنسحب آثار ذلك على كل المنطقة. لا أعتقد أنه يوجد شخص يستطيع أن يعرف، وينقل للغير مدى آثار هذه الممارسات مثلك، كلنا أمل يا دكتور أن تخصص إحدى مقالاتك المقبلة، لإيضاح آثار توسع شركات الألبان، لعل الله يحيي قلب المسؤول، مع علمي بأن كل مقالاتك مليئة بالإيضاح، ولم تقصر يومًا، شكرًا لجهودك العظيمة يا دكتور، وبارك الله بعلمك. تحياتي).
وصلت هذه الرسالة الأسبوع الماضي، تحمل صرخة تؤكد أن المياه الجوفية تئن من استمرار جور الاستنزاف والإهدار.
رسالة غيورة وملهمة، ذكَّرتني بالتصريح الطّامة لوزير المياه السابق معالي المهندس عبدالله الحصين، عام (2012م)، قال: (خلال الأعوام الستة الماضية، بلغت كميات المياه الجوفية التي استهلكتها زراعة القمح والأعلاف في منطقة حائل، ما يعادل استهلاك المنطقة من مياه الشرب على مدى أربعة قرون). وبعد.. أليس هذا أمرا مقلقا يثير التساؤلات؟ الوضع لم يتوقف. أحدهم يطمح لزراعة (100) ألف شجرة (مورينجا) في حائل. هناك المزيد من المشاريع العشوائية الزراعية سنويًّا في كل منطقة. إنها مياهنا الجوفية الإستراتيجية.. متى تكون محل اهتمامنا وغيرتنا؟ متى نقتنع بأهمية الحفاظ عليها وتنميتها وحمايتها من الاستنزاف الجائر المُخل بأمننا المائي؟
القلق على المياه الجوفية قلق مشروع في ظل غياب المياه السطحية في بلادنا "حفظها الله". نتيجة لهذا الوضع الخطير وضعت أحد كتبي بعنوان: الماء وطن.
أبو محمد صاحب الرسالة يوضح بأسى وحزن، قائلًا: (كلّي حرقة). إنها صرخة الغيور المخلص. الحرقة هي أقصى ألم يصل إليه الفرد في ظل عجزه عن فعل شيء. ماذا يفعل أمام توسع شركة الألبان بمناطق جديدة، كما تصف رسالته؟ المياه الجوفية ملاذنا الوحيد لتوفير مياه الري لأي توسع زراعي حكيم.
الحقائق تؤكد أن الاستنزاف الجائر لهذه المياه الجوفية الإستراتيجية على الزراعات العشوائية لم يتوقف منذ زمن الطفرة. إن أي صوت يرتفع لصالح الماء يجب تعظيمه والإنصات لأبعاده المسؤولة.
أبو محمد يقول ببساطة: كفاية حفر آبار، وتوسعات زراعية على حساب المياه الجوفية.
الذي أعرفه أن تصاريح حفر الآبار تم إيقافها نظامًا، فهل تجاوزت شركة الألبان هذا النظام؟ الشيء اللافت في الرسالة السابقة، قولها: (مؤخرًا استأجرت إحدى شركات الألبان أراضي جديدة بمنطقة حائل). إن نظام توزيع الأراضي البور الذي ساد خلال مرحلة الطفرة جاء بالكثير من المشاكل. وقد ناديت سابقًا بسحب جميع الأراضي البور التي تم منحها وتوقفت عن مزاولة الزراعة التي من أجلها كانت المنحة. أيضًا العمل على قفل جميع آبارها بطريقة فنية علمية.
تعتمد زراعات المناطق الجغرافية الشمالية ومنها (منطقة حائل) على المياه الجوفية غير المتجددة من تكويني: (تبوك) و(الساق). ويعتبر تكوين تبوك المائي من أفضل التكوينات المائية عذوبة في المملكة، لذا فمن الصعب تقبل استنزافه على زراعات عشوائية بدون قيود تحميه من النضوب. لقد بلغ إجمالي مساحات الأراضي الموزعة في المناطق الجغرافية الشمالية، وفق برنامج توزيع الأراضي البور في مرحلة الطفرة حتى نهاية عام (1995)، حوالي (450) ألف هكتار. تقدر نسبتها بحوالي (22) بالمائة على مستوى المملكة، وهي ثاني أكبر نسبة بعد المنطقة الوسطى. نصف هذه المساحات تم تخصيصها لزراعة محاصيل القمح والشعير والأعلاف في حينه.
وبعد.. كان يجب أن تكون هناك مرحلة تصحيح لكل ما تم في مرحلة الطفرة. تتضمن سحب جميع الأراضي التي تجاوزت مبررات منحها، وإعادتها إلى أملاك الدولة، وليس تغيير نشاطها وتأجيرها لاستنزاف المزيد من المياه الجوفية.
twitter@DrAlghamdiMH