وافق الاتحاد الأوروبي على الحد من استخدامه للنفط والغاز الروسي، كأحد الإجراءات العقابية بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ورغم ذلك فإن الدول الأعضاء فيه ما زالت مستمرة في استيراد وتصدير الوقود النووي من وإلى موسكو.
لا يخضع الوقود النووي لعقوبات الاتحاد الأوروبي، ما أثار استياء الحكومة الأوكرانية ونشطاء البيئة، من تعامل الدول الأوروبية مع وكالة الطاقة النووية الروسية "روساتوم".
غادرت سفينة شحن محملة باليورانيوم ميناء دونكيرك الفرنسي عبر بحر الشمال، متجهة نحو ميناء أوست لوغا الروسي على بحر البلطيق، كانت هذه هي المرة الثالثة خلال ما يزيد قليلًا عن شهر، والتي ترسو فيها سفينة ميخائيل دودين وترفع علم بنما في دونكيرك لنقل اليورانيوم من أو إلى روسيا، وفقًا لـabcnews"" الأمريكية.
اعتراضات واحتجاجات
شجبت مجموعة السلام الأخضر الفرنسية المعنية بالبيئة الشحنات الجارية ودعت إلى وقف جميع التجارة في الوقود النووي، والتي قالت إنها تمول الحرب في أوكرانيا، وتمدد اعتماد أوروبا على هذه الطاقة وتأخير الانتقال إلى الطاقة المتجددة.
نُظمت وقفات احتجاجية أمام مصنع لتجميع الوقود النووي في ألمانيا، حيث كان من المقرر وصول شحنة يورانيوم روسي، وطالب المتظاهرون الحكومة الألمانية بإلغاء اتفاقياتها النووية مع روسيا على الفور، لكن لم تتم الاستجابة لمطالبهم.
كانت هناك عدة مطالب للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية لوقف التعامل مع "روساتوم"، لكن المسؤولين قالوا إن استيراد الوقود النووي من روسيا ليس مشمولًا ضمن عقوبات الاتحاد الأوروبي، العقوبات تشمل الفحم والنفط فقط.
روسيا والوقود النووي
تلعب روسيا دورًا مهمًا في إنتاج الوقود النووي، ورغم أن إنتاجها من اليورانيوم قليل جدًا ويُقدر بـ8% فقط من الإنتاج العالمي، فإن تعدين اليورانيوم يُعتبر خطوة أولى فقط في عملية إنتاج الوقود النووي، وروسيا لها وجود ضخم جدًا في المرحلتين التاليتين.
وفقًا لـBBC فإن صناعة الوقود النووي تتطلب استخراج اليورانيوم من الأرض، ثم سحقه وتحويله إلى أكسيد اليورانيوم، وبعد ذلك يُحول إلى سداسي فلوريد اليورانيوم "وهو مركب قابل للتخصيب"، والذي يستخدم أخيرًا في صنع قضبان الوقود النووي.
ويقول الدكتور مات بوين، الباحث في جامعة كولومبيا الأمريكية، إن "نصيب روسيا من عمليات التحويل النووي في عام 2020 بلغ %40، كما بلغ نصيبها من عمليات التخصيب في عام 2018 نسبة 46%".
روسيا وصناعة المفاعلات النووية
لا يقتصر دور روسيا على إنتاج وتصدير الوقود النووي فحسب، فـ"روساتوم" تُعد أكبر مُصنِّعة للمفاعلات النووية في العالم، وفي عام 2021، كانت تخطط الوكالة النووية التابعة للدولة الروسية لبناء أكثر من 12 مفاعلًا في مختلف أنحاء العالم.
تعتمد عدة دول أوروبية على المفاعلات النووية بشكل أساسي لإنتاج الطاقة، والتي تحتاج إلى القضبان التي تنتجها روسيا لتشغيلها.
يقول خبراء إن منشآت الطاقة التي تعمل بالغاز أو الفحم تحتاج فقط تزويدها بالغاز أو الفحم، لكن بالنسبة لمحطات الطاقة النووية فتشغيلها لا يتم بمجرد وضع اليورانيوم في المفاعل، بل ستحتاج إلى تصنيع القضبان النووية المناسبة لكل نوع من أنواع المفاعلات.
تستورد صناعة الطاقة الأمريكية أيضًا اليورانيوم من روسيا لتغذية محطاتها النووية، تتبعت وكالة أسوشيتد برس مؤخرًا شحنات بقيمة ملايين الدولارات من سداسي فلوريد اليورانيوم المشع من شركة Tenex JSC المملوكة للدولة الروسية، وهي أكبر مصدر في العالم لمنتجات دورة الوقود النووي الأولية، إلى شركة Westinghouse Electric في ولاية كارولينا الجنوبية.
إجراءات وقرارات معقدة
يقول "بوين": على الغرب اتخاذ خطوات لتقليص دور روسيا، لكن نظرا لضخامة ذلك الدور، سوف يتطلب الأمر قدرا من الاستثمارات ويستغرق بعض الوقت، مضيفًا أن تقليل الاعتماد على روسيا ليس مستحيلاً، ولكن من الصعب تحديد الوقت الذي سيستغرقه ذلك.
أوضحت الوزارة الفدرالية الألمانية لشؤون البيئة والحفاظ على الطبيعة والسلامة النووية لـBBC بأنها "تنظر إلى مثل واردات اليورانيوم تلك بجدية كبيرة بسبب الحرب العدوانية التي تشنها روسيا على أوكرانيا".
قال المتحدث باسم الوزارة إن "روسيا لا تحتكر إمدادات اليورانيوم، ومن الممكن شراؤه من بلدان أخرى"، لكن الوزارة أضافت أن الأمر ليس بيدها، لأن "قرار شراء اليورانيوم من روسيا يرجع بشكل حصري للشركة المشغلة لمصنع اليورانيوم في لينغين"، وليس هناك آلية قانونية لمنعها إذا ما اختارت شراء الوقود الروسي.
وأشار الدكتور بوين إلى إن البلدان الأوروبية التي لديها مفاعلات روسية الطراز "سيتعين عليها اتخاذ قرارات معقدة" إذا ما قررت تعليق واردات الوقود النووي الروسي، وهو قطاع على الأرجح سوف يكتسب المزيد من الأهمية نظرا لاقتراب فصل الشتاء، فضلا عن اقتراب أزمة طاقة محتملة.