بالتأكيد أنه قد مر عليك شخص غضوب وسريع الانفعال ويحسب أنه واسع الصدر متقبل للمزاح! وشخص آخر ثقيل ويحسب نفسه بأنه خفيف الظل محبوب!
أفضل ما أسمي هذه الحالة بحالة: النقاط العمياء!
وممكن تعريفها بأنها الفجوة بين نظرتك لنفسك والحقيقة، التي يراها الآخرون عنك.
هناك نتيجة ليست جيدة تسببها هذه الحالة وهي قتل العلاقات وممكن تسميتها بـ«القاتل الصامت» للعلاقات.
قرأت أنه لاجتياز اختبار الرخصة في كندا عليك تطبيق نظرية أو إستراتيجية الكتف العميق وهي: عدم الاعتماد على المرآة الجانبية عند تبديل المسار والنظر بكامل الرأس جهة الكتف، ويعود السبب لوجود نقطة عمياء لا يمكن اكتشافها عن طريق المرآة فلا ينبغي الاعتماد عليها.
حديثي هنا عن النقاط العمياء الشخصية، التي قد تسبب الكثير من الفجوات في العلاقات وبسبب عدم رؤيتنا لها قد نفشل في علاقات جيدة أو نطوّل من عمرها.
السبب الرئيسي لوجود هذه النقاط العمياء لدينا هو لوجود صورة ذهنية نرسمها عن أنفسنا سواءً على شخصيتنا أو أسلوبنا أو رؤيتنا للأشياء أو حتى طريقة تحدثنا مع الآخرين!
لذا الفجوة بين رؤيتنا عن ذواتنا وشخصيتنا ونظرة الآخرين لنا هي ما تُسمى بـ«النقاط العمياء».
وأشبه مَن لا يعتقد بوجود هذه النقاط العمياء كمَن يمشي معصوب العينين في مكان لا يعرفه، ويلعب لعبة لا يعرف قواعدها، وكم سمعنا مَن يقول: عش حياتك وبلا وجع رأس وفي الأخير تجده يفتقد لكثير من المهارات في التواصل مع الآخرين.
ومشكلة أخرى يجب توضيحها وهي أن الذي لا تراه هو الذي يؤثر على أدائك، علاقاتك! فتجد أن هناك توترا عاما لا تعلم مصدره، أو هجوما لا تعلم سببه أو حتى جفاء وغلظة وتصرفات تجاهك قد تكدر يومك ولحظاتك.
وهنا لا بد من التذكير بأنه تزداد خطورة النقاط العمياء بأنها ليست سلوكا عرضيا فحسب، بل عادات وأنماط سلوكية تجذبنا إلى الخلف ونحن لا ندري! وتكون النتيجة تراكم الكثير من المواقف والأخطاء وتنتج عنها الانهيار في العلاقات، الذي قد تتساءل في بعض الأحيان بأن الموقف لا يستدعي ردة الفعل هذه.
ودعني أذكر لك على سبيل المثال لا الحصر أمثلة على النقاط العمياء المنتشرة:
1. المزاح: البعض لا يفرق بين الإساءة والسخرية وبين المزاح فيسخر من شخص ويسيء له ثم يتساءل لماذا فلان متغير عليّ!
2. الوثوقية الزائدة وبشكل مفرط مما يسبب أن ترى الآخر بنظرة دونية.
3. الانتقائية: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.
4. عادات سيئة في طريقة الحديث والإلقاء مثل إصدار بعض الأصوات المزعجة وكثرة المقاطعة وعدم الإنصات.
5. النظافة العامة: بعض الأشخاص لا يعلم مدى أهمية النظافة العامة في تقبل الطرف الآخر، وقد تكون عادات سيئة، ولكن مهمًا جدًا الانتباه لها.
6. كثرة العتاب (التشره) البعض يكون مدخل اللقاء باللوم والعتب بعدم الاتصال وعدم الرد وقلة الزيارة، وهكذا حتى ينطبع على الشخص بكثرة العتب واللوم.
7. إما هذا أو ذاك! (ثنائية التفكير): تعطيه اقتراحا يعطيك آخر، تخبره بموقف يعطيك مثله وحتى النصائح فتعطيه مثلا اسم كتاب ليقرأه فيرد عليك بأن كتاب الله أهم وأفضل.
8. الكلام دون تفكير! كثير ما نسمع (لا أعرف كيف خرجت هذه الكلمة من فمي) والسبب رمي الكلام من غير وزن ولا تفكير.
9. السلبية: وألفاظها كثيرة مثلا (الناس ما عاد فيها خير - ما قصرت معه.. لكنه جحود.. ما يستاهل - حسافة تعبّت نفسي على الفاضي) .
10. المزاجية.
هذه فقط بعض الأمثلة المشهورة والنقاط العمياء كثيرة ولوجودها أسباب ومسببات وقد تولد في بيئات معينة دون أخرى، أريد أن أختم بمعلومتين مهمتين جدًا:
* الجميع تقريبا لديه نقاط عمياء حتى الأذكياء والقادة!
* تزداد النقاط العمياء عند التعامل مع أقرب الناس إليك بينما تقل مع الغرباء هل تعرف لماذا؟! لأننا نتعامل مع الأبعدين بـ«وعي» أكثر.. بينما نميل إلى التعامل بتلقائية زائدة كلما كانت الدائرة أقرب، وكأننا نطفئ زر الوعي..
نصيحة أخيرة: ضاعف الوعي مع مَن تحب، وانتبه فلا توجد علاقات مضمونة!
أرجو لي ولكم مزيدًا من التوفيق في علاقاتنا ومعرفتنا بأنفسنا حتى تحلو لنا لقاء مَن نحب.
Omaram0g@