@khaledalzoman
خلال زيارتي إلى مقر القمة العالمية للذكاء الاصطناعي 2022م، والتي جمعت أبرز صانعي السياسات وكبار المستثمرين في العالم والمبتكرين والقادة في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي يقدر حجم سوقه هذا العام بحسب المنشور بأكثر من 387 مليار دولار.
وفيما بين جلسات المتحدثين في القمة الناجحة وعظيمة الأثر، مررت على ركن القهوة لأخذ جرعتي اليومية، حيث صنعت بدقة متناهية و«بحب» وبأيدي الساقي (الروبوت)، الذي يعد أحد نتائج العمل الرقمي الذي يتم تنفيذه بواسطة أنظمة أتمتة العمليات الروبوتية (RPA).
توقفت هنا حين سألني أحد المنتظرين دورهم عند ركن القهوة، ذات السؤال الجدلي المكرر حول المخاوف المتعلقة بمستقبل سوق العمل الراهن في ظل تطور الرقمنة ومدى المخاطر التي تواجهها، وأجبته بداية من زاوية الاقتصاد، حيث نفترض عادة أن التكنولوجيا الجديدة تدفع النمو الذي يعزز بدوره عمليات التوظيف.
في الواقع أنه في مرحلة ما كان الافتراض منطقيا، إذ كانت الآلات لم تتطور بشكل كبير يغني عن المشغلين الذين أصبحوا آنذاك ينتجون بطريقة أفضل من السابق، إلا أنه في الآونة الأخيرة أشارت بعض الآراء إلى التطور المتسارع في التكنولوجيا وعلاقتها بسوق العمل، والتغير الكبير الذي يبدو مختلفا تماما عن تلك الحقبة، حيث تشير السمة الجديدة لهذا العصر إلى أن الأمر تجاوز فكرة تحول الإنتاج بالمجهود العضلي لدى البشر نحو الاعتماد على الآلات، إلى مرحلة تقدم فيها العلم نحو الاعتماد على الدماغ التكنولوجي (الروبوت) لإنجاز الأعمال، وهو مجد اقتصاديا بشكل أكبر من حيث الجودة التقنية والتكلفة، بالمقارنة بالاستناد على العنصر البشري.
هل يعني ذلك زيادة بطالة البشر مع تقدم الرقمنة؟ في رأيي أن هذا التشاؤم غير وارد في المستقبل المنظور، ذلك أن مفاهيم الرقمنة والذكاء الاصطناعي وغيرها من نتاج التطور التكنولوجي السريع، إنما هو من صنع البشر الذين يستهدفون النمو الاقتصادي وتحقيق الرفاه وعمارة الأرض، وأعتقد أن كل تقنية جديدة ستضيف وظيفة بمواصفات جديدة إلى سوق العمل.
ولعلني أضيف أن الأمر يتطلب أيضا تكييف المجتمعات على التعامل مع العصر الرقمي، علاوة على تركيز الحكومات على الأنشطة الاقتصادية الأقل عرضة لعوامل الرقمنة والأتمتة، وأزيد بأن على صانعي القرار دراسة الآثار المحتملة، وإعادة تشكيل سوق العمل باستمرار من خلال استشراف الاتجاهات التكنولوجية، وذلك بشكل متسق مع اتخاذ التدابير اللازمة في مجال القوى العاملة من أجل ضمان التكامل المناسب لهذه التدابير وفق النموذج الاقتصادي الجديد القائم على الرقمنة.