من الأيام السنوية الجميلة والمهمة يوم المعلم العالمي الذي بدأ العالم الاحتفال به منذ العام 1994م، في مداخلة بسيطة أود التأكيد على أن تذكر الناس إجمالًا بأمور في حياتهم عبر مثل هذه المناسبة لأشياء يحتفون بها ولو نظريًّا أظنه شيئًا مهمًّا ومفيدًا، ومن ذلك مثلًا يوم اللغة العربية العالمي، والأيام الأخرى المخصصة لمناسبات مختلفة.
نعود ليوم المعلم العالمي، وفي هذه المناسبة أتذكّر أكثر من معلم كانت لهم بصمة في حياتي وحياة ربما غيري من التلاميذ الذين درَّوسهم، أتذكر في المرحلة الابتدائية أستاذًا كان ماهرًا في تدريس العلوم الدينية، وكان مثاليًّا يساعدنا في حفظ قصار السور، وكان يقسّم الفصل إلى أربع أو خمس دوائر، ويتيح لكل تلميذ التسميع للبقية، أي التلميذ الذي يقوم بعملية التسميع يمسك بالمصحف، وزميله الذي يقابله يتلو الآيات الكريمة، وبالعادة يكون الذي يسمّع أي الذي يمسك بالمصحف يُحصي في ذات الوقت الغلطات، أو المرات التي يصحِّح لزميله فيها، وتستمر الحلقة تدور، وفي آخر ربع ساعة، يكون كل تلميذ قد سمَّع لمجموعته، وقد قرأ السورة أو الآيات المطلوبة لمرات لا تقل عن خمس، وهنا يكون المستوى في الحفظ والتمكن منه أكبر وأسهل، بعدها يسمّع الأستاذ إبراهيم «جزاه الله كل خير» للتلاميذ، ويوصينا بحفظ آيات جديدة للدرس القادم، لم أتذكّر من اسم ذلك المدرس إلا اسمه الأول إبراهيم، وأنه قصير القامة يرتدي نظارة طبية سميكة العدسات، مُحاطة بإطار ذي لونين، السفلي لونه أسود، والعلوي نحاسي لامع. والكل في المدرسة يعرفونه بالأستاذ إبراهيم، أو كما نقولها تباسطًا باللهجة الدارجة «حق القرآن»، أي الرجل الذي يدرّسنا مادة القرآن الكريم.
وفي المرحلة المتوسطة، كان هناك أستاذ يشكّل علامة فارقة بين طاقم التدريس في المدرسة، حيث كان اسمه إبراهيم، وكان قصير القامة، ولكنه بدين جدًّا لحد أن يوصف بالسمين، ويلبس نظارة بشاوري سوداء بشكل مستمر أثناء التدريس، وفي الاستراحات بين الحصص، وحتى وهو يغادر المدرسة سائرًا على قدمية متوجهًا إلى منزله، وكنا في عمر الشقاوة نتساءل: هل يا تُرى الأستاذ إبراهيم أبو كايد، وهذه كانت كُنيته على طريقة الأشقاء الفلسطينيين، هل يتحرر من نظارته تلك عندما يكون مع أسرته وفي منزله، وكان البعض منا يُبالغ في التصور لدرجة أن يسأل: هل يخلع نظارته البشاوري السوداء عندما ينام أم تبقى عالقة في مكانها فوق أنفه الصغيرة المستديرة، وبين خدين مكتنزين بالشحم وأعلى فتحة فمه المملوء بعدد كبير من الأسنان الصغيرة المتراصَّة بجوار بعضها. الأستاذ إبراهيم أبو كايد، والذي كان يقضي معظم وقته في حجرة المدير، وليس في حجرة المدرسين، حتى ظن البعض أنه نائب أو مساعد المدير، درَّسنا في المرحلة المتوسطة الجغرافيا والتاريخ، وهذا تخصصه على ما يبدو، أي مواد الاجتماعيات، وفي المراحل الثلاث علَّمنا شيئًا تكرر مع كل مَن درَّسه هذا الرجل، وهو الترديد بحماس وقوة، وبشكل دوري بين فترةٍ وأخرى، وكلما جاءت سيرة فلسطين، وسيرة الصراع العربي مع إسرائيل، كان الرجل يقول: ما أُخِذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وكنا نردِّد بعده بقوة، وتكتمل المفاجأة عندما نقدم للاختبارات في مادته، تكون هناك أسئلة متنوعة، وحتمًا يكون سيد الأسئلة حاضرًا، وهو كيف نسترد فلسطين، فالكل يعرف الجواب، والكل في الغالب يُجيب بنفس الحماس الذي كنا نردد به مع الأستاذ إبراهيم أبو كايد هذه العبارات الأثيرة.
@salemalyami