وأنا متوجهة صباحا إلى مقر عملي تلفتني سيارة المبيد الحشري! وهي تلقي بترياقها على حاويات النفايات (بأدب) لتقذف عليهم الحياة ولتعلمهم أن هناك عيونا متيقظة! لن تسمح بأمراضها وحشراتها بالعبور. هذا المنظر ذكرني بلعبتنا المفضلة ونحن صغار حين نتسابق على ملاحقة سيارة «الفليت»! حتى تغيب عن أنظارنا بينما تكمن المتعة حين تختفي معالمنا بين دخان المبيد الحشري! وكأننا نحلق بين السحب ثم نعود لمنازلنا دون أن نعرك عيوننا أو نكح كحة واحدة!! ودون أن يوبخنا أحد أو يحذرنا من مضار المبيد ومخاطره وهي تخترق رئاتنا الصغيرة، ويخال لي أنه لولا الحياء لشاركنا آباؤنا هذه المتعة! ولا نعلم ما السر وراء هذا الشعور الصحي! هل كانت مكونات «الفليت» مختلفة أم أعضاؤنا هي المختلفة! والحقيقة أن الألعاب الابتكارية وشغل الفراغ بألعاب ومتع غير اعتيادية «كانت لعبتنا» فهي تنم عن موهبة فذة قادتها لنا عقولنا المتوقدة التي لم تنشغل بالإلكترونيات و«السنترة» أمام الأجهزة! فحتى البطاريات والتي نسميها «حجر» لم تسلم من اختراعاتنا ففي داخلها مادة سوداء مطاطية كنا نعاملها معاملة العلك ونقتسم الحصيلة بيننا! ولو علمت عنا موهبة لوهبتنا وسام الاختراع ولطارت بنا لنشارك في محافلها ولو عرفتنا مختبرات التجارب في وزارة الصحة لقادتنا لتكتشف ترياقات جديدة على أجسادنا، أما حقوق الطفل فكنا سنقدم لهم الدروس الطوال في التعامل مع الحياة ومكونات البيئة والثقة والانطلاق بعيدا عن البيوت المغلقة والحماية الزائدة! أما حينا الجميل «حي العدامة» وبيئتنا الرائعة فكلما قادني له الحنين وتذكرت لعبنا في ذلك الزقاق الصغير الذي تحيط به المنازل أتساءل هل كبرنا لدرجة أن ذلك الزقاق تضاءل أمامنا أم انطوت الأرض وابتلعت بعض الأمتار من مساحته الشاسعة والتي كانت تنطلق فيه سيارة «الفليت» بكل أريحية دون أن تصطدم بجدرانه! بينما تستحي اليوم الدراجة من المرور فيه! وحيث التطور المستمر لمدينة الدمام كواجهة حضارية فإن دوام الحال من المحال، وليس بعيدا أن يصنف ذلك الحي كتشوه بصري! يستوجب الملاحقة من أمانة الدمام لتصب عليه جام غضبها رحمة بالتخطيط الحضري ودعما له.
وبعيدا عن سيارة «الفليت» وذكريات «الحواري» فإن الدمام مدينة الجمال والروعة والذكريات الجميلة، وهذا الشعور ليس شعور ساكنيها فقط فهو إيحاء يبعثه لنا أقاربنا من الخليج كلما زاروها، فالتطور الملحوظ على كافة الأصعدة والراحة النفسية التي يولدها البعد الإنساني وتوجهها نحو الأنسنة وجودة الحياة في مشاريعها كلها عوامل تزيد تعلقنا بها.
إن الدمام قبل عشرين عاما ليست هي دمامنا اليوم فبالرغم من أنها جميلة في كل أحوالها وأزمانها إلا أنها اليوم أصبحت دمام ناطقة خضراء نضرة كالعروس ليلة زفافها.
فهنيئا لنا بهذه المدينة.
@ghannia