Majid_alsuhaimi@
كثر مؤخرا توزيع الألقاب على مَن يتصدرون مشهد المنصات التقنية، سابقا كان الخبير يحمل تجارب موثقة، وشهادات علمية وتجارب يشهد لها حتى يطلق على نفسه خبيرا، وأيضا يكون متميزا عن غيره، وأقصد هنا أن أمثاله أو على الأقل في محيطه. أما إذا كان كل مَن حوله خبراء مثله فيا ترى مَن سيتلقى هذه الخبرات ويستفيد منها، بل هذا يدل أنه لم يأت بجديد، كما أن هذه الخبرة يجب أن يكون فيها مجال فيه شيء من الصعوبة أو على الأقل ليس سهلا جدا وفي متناول الجميع، فلا أعتقد أنه من الطبيعي أن نجد خبيرا في فن شرب الماء أو خبيرا في طريقة ركوب السيارة مثلا، ولكن خبيرة تنمية سلوك الأطفال، الذين يعانون من الخجل الزائد وتحويله إلى عزم وإقدام وجرأة طبيعية، فهذا مقبول جدا، أو خبيرا في تحويل المساحات الضيقة إلى فراغات يستفاد منها بشكل كبير بدلا أن تكون فراغات ميتة. أما أن تظهر وبالذات مَن يتصدرن المنصات التقنية وجلّهن يستخدمن لقب «خبيرة تجميل» أو كما يحببن تسميتهن «ميك أب أرتست» وكلمة أرتست Artist لا تعني خبيرا، بل هي مشتقة من الفن، وأن يصبح لدينا هذا الكم الهائل من «فنانات» التجميل، فهذا إن صح فلدينا مشكلة في التجميل، بل إناث المجتمع عندنا يعانين من توهان وقصور في معرفة «فنون» التجميل، وبالتالي فهناك حاجة ملحة لفناناته، بالتأكيد أنا ضد كل ذلك تماما؛ لأن بناتنا ولله الحمد فيهن من الجمال القدر المرضي والكافي والفاتن، كما أنهن لديهن أيضا القدرة الجيدة جدا في تجميل وتزيين أنفسهن، أي نعم أنهن يحتجن للصالونات وللمناسبات الخاصة إلى تجميل وتزيين متقدمين من خبيرات التجميل، وهذا بحد ذاته جميل جدا، ولكن ما أقصده أن الكم الهائل من المحتوى، الذي يقدم يوميا من «فنانات» التجميل يوحي بفقر مجتمعي للتجميل، نحن لا نتكلم هنا عن شيء موسمي، بل نتكلم عن شيء يمارس يوميا، فهل من المعقول السواد الأعظم ممن يتصدرن المشهد محتواهن عن التجميل؟ هل لدينا هذا الفقر المدقع من التجميل اليومي للعمل والمنزل فضلا عن المناسبات؟ إذا كان نعم فإذًا كيف كنا قبل هذه المنصات؟ هل انعدم الجمال قبل أن يظهرن «فنانات» التجميل؟ المشكلة أن أغلبهن وليس بالتأكيد كلهن، لا يدركن أنه لقب تمت كتابته بناء على مهارات جيدة إن وجدت لكنها لم تصل إلى الخبرة أو الفن مطلقا، كما أنها مع الوقت أصبحت كاتلوج للإعلانات، التي لا علاقة لها بالجمال ولا أسراره، التي لا يعرفها إلا هن، ما أعرفه أن الخبراء والفنانين لا يتحدثون بغير مجالهم، فمثلا مَن يتخصصون بالموضة لا ينظرون عن المطاعم ولا خدمات التوصيل إلا إن كانوا كدليل الصفحات الصفراء. واعلم أنه سيقال إني أحسدهن على الأموال من تلك الإعلانات فأقول لهن الرزق من الرزاق القائل سبحانه: (والله يرزق من يشاء بغير حساب). ختاما أقول، لو ظهر لنا رجل ليعلم الرجال كل يوم بمحتوى عن طريقة لبس الشماغ ووضع العقال على المرزام ونسفة الشماغ، وأطلق على نفسه خبير تشخيص أو «شخصية أرتست» هل سيكون مقبولا؟ هل سيقول الرجال (ما علينا قاصر نعرف نشخص؟ أو سيقولون: أنت وينك من زمان؟) أترك الجواب لكم.
وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل أودعكم قائلا: (النيّات الطيبة لا تخسر أبداً) في أمان الله.