يعد توفيق الحكيم رائد المسرح العربي الحديث، فهو مبدع واسع الإبداع، زاحم باسمه عمالقة الأدب في عصره من أمثال العقاد وطه حسين، عرف بوضوحه وشفافيته، فلم يكن يجامل أحداً على الإطلاق، وعندما سمع أن بعض لاعبي كرة القدم يتقاضون الملايين وهم دون العشرين، كتب مقالته الشهيرة (انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم)، كما أنه اشتهر بحرصه وبخله وله في ذلك طرائف ونوادر شهيرة.
يعده النقاد إحدى العلامات البارزة في حياتنا الأدبية والفكرية المعاصرة في عالمنا العربي، وقد امتد تأثيره لأجيال كثيرة متعاقبة من الأدباء والإبداعيين، فهو المؤسس الحقيقي لفن الكتابة المسرحية في العصر الحديث.
عندما كتب مسرحيته الشهيرة (أهل الكهف) أحدثت ضجة واسعة في الوسط الثقافي، فكانت حدثاً مهماً في الدراما العربية، فقد كانت هذه المسرحية بداية لنشوء تيار مسرحي عرف بالمسرح الذهني، الذي لا تصلح للتمثيل على خشبة المسرح، وإنما يكتب للقراءة فيكتشف القارئ من خلال المسرحية عالماً من الدلائل والرموز، التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي.
لقد كان الحكيم مولعاً منذ صغره بالفن المسرحي وبالروايات العالمية، وبالطبع هذا الأمر لم يكن يعجب والديه، اللذين لم يوليا جهداً في إبعاد المسرحيات والروايات عن ابنهما حتى يركز مجهوده في مذاكرته، فكان الطفل المشاكس يندس تحت سرير نومه ويشعل شمعة ليقرأ على نورها، وحدث مرة أن كرر أهله مناداته للعشاء فاضطر أن يستجيب للنداء المتكرر، فخرج مسرعاً من تحت السرير ونسي أن يطفئ الشمعة المخبأة تحته فشب حريق في المنزل بسبب ذلك فافتضح أمره، فتعهد لأهله بأن يتوقف عن هذه القراءات الحرة، وأن يكرس جهده ووقته لدروسه.
في طفولته حفظ الحكيم مسرحيات شكسبير عن ظهر قلب، وفي شبابه كتب مسرحياته العظيمة، التي انتشرت بين أيدي القراء انتشار النار في الهشيم، وطبعت حينها بأرقام خيالية، وكان الحكيم أول كاتب عربي يستلهم في أعماله المسرحية موضوعات مستمدة من التراث المصري القديم سواءً كانت فرعونية أم رومانية أم قبطية أم إسلامية.
وقد تقلد الحكيم خلال حياته مناصب إدارية حكومية وثقافية مهمة، فكان رئيساً للجنة العليا للمسرح بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، ورئيساً لمجلس إدارة نادي القصة، ورئيساً للمركز المصري للهيئة العالمية للمسرح، ونائباً فخرياً في مجلس الأدباء، وعضواً في المجلس القومي للخدمات والشؤون الاجتماعية، لقد عمر الحكيم حتى جاوز التسعين عاماً وتوفي في عام 1987م بعد أن ترك إرثاً أدبياً وثقافياً مهماً بلغ نحو 100 مسرحية و62 كتاباً في شتى فروع الأدب والثقافة.
@albakry1814