وتلك أبعاد تتوافق مع فطرة الإنسان وسليقته، فالأفكار الغربية كما نعلم تنقسم إلى قسمين يمينا ويسارا أو إلى أنظمة رأسمالية وأخرى شيوعية، فالأولى أباحت ملكية الفرد بطريقة طاغية أدت إلى الانغماس في الرذائل والحريات الزائفة وحرمان الضعفاء من حق الحياة بزيادة حالات الفقر وسلب الإرادة ومصادرتها، والثانية قضت على ملكية الفرد بطرائق خاطئة رفعت شعار رفضها لكل الأديان السماوية، ومن شأن تلك الأفكار أن تؤدي بالبشر إلى دوامة عظمى تزج بهم إلى متاهات من الشعارات والأيدلوجيات المتنافية تماما مع طبائعهم وفطرتهم، فالمبادئ الإسلامية بوسطيتها جاءت لترفع الظلم عن البشر وتهديهم إلى طرائق الصواب والعقلانية مصداقا لقول رب العزة والجلال في محكم تنزيله الشريف: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا).
ويفسر العلامة الإمام أحمد مصطفى المراغي الوسطية في الإسلام بقوله «وجعلناكم أمة وسطا أي جعلنا المسلمين عدولا لأنهم وسط فليسوا من أرباب الغلو في الدين المفرطين ولا من أصحاب التعطيل المفرطين.. وقد كان الناس قبل الإسلام قسمين: مادي لا هم لهم إلا الخطوط الجثمانية كاليهود والمشركين، وقسم تحكمت فيه تقاليده الروحانية وترك الدنيا وما فيها من الملذات الجسمية كالنصارى والصابئة وتنحى الهنود أصحاب الرياضات.. فجاء الإسلام جامعا بين الحقين حق الروح وحق الجسد وأعطى المسلم جميع الحقوق الإنسانية جسما وروحا»، ومن هذا المنطلق جاءت الوسطية في الإسلام، فلا إفراط ولا تفريط.. ولا يسار أو يمين.. ورسولنا المصطفى يقول تفسيرا لهذه الوسطية: «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات.. فمَن وقع في الشبهات وقع في الحرام»، فالتوازن العقلاني الروحاني هو الوسطية، التي أنقذت البشرية من ضلالتها وضياعها، وأوصلتها إلى منابع الخير والحرية والعدل.
[email protected]