@alhinai333
استيقظ باكرا يمشي متكاسلا ليستعد لصلاة الفجر، استيقظ ولديه شعور بأنه يحتاج لسيجارة، ليس من عادته التدخين، فهو شخص محب للطبيعة والحياة، بسيط الأحلام جميل المحيا، مرتب الهندام، مرهف الحس، راقي التفكير «علي».... رجل يبحث عن ذاته كطائر يحلق في فضائه بمفرده، بقامته المتوسطة الطول، وعينيه الصافيتين الصغيرتين، يحمل في كفيه خطوطا متضاربة، كتقلبات الزمن في حياته، ممزوجة بخشونة مقود «سكان» البيكب الذي اعتاد أن يقوده في سيوح قريته إذا أحس أن مدينته قد ضاقت به، يحمل في قلبه مشاعر طيبة للجميع كروحه التي لم تتشوه بقساوة الظروف أو ماديات البشر، فلماذا يشتهي اليوم سيجارة؟
علي... لم يحب يوما تعقيد الأمور، أو النظر لها من زاوية حادة، لكن دارت في مخيلته، (ما الذي يجعلني أتوق لسيجارة وأنا لم أجربها سابقا؟) هل قوى شيطانه... كما تقول أمي دائما، هل لنا شياطين أفكار تحوم في عقولنا؟ هو رجل من الطبقة المتوسطة، يعمل موظفا في مؤسسة حكومية، قضى فيها ما يقارب الربع قرن، تنقل من قسم لآخر وهو يبحث عما يريحه، كون صداقات، وتعلم مهارات، وسمع قصصا عن ناس ذهبت وناس جاءت
فما الذي يجعله يفكر في سيجارة؟ هل تسللت شياطين أفكاره للمساحات الفارغة البسيطة بين مشاكل العمل والحياة؟
لعلي سبعة أبناء، تزوج صغيرا، بتخطيط من أهله واختيار أمه، كبرت ابنته وتزوجت، وكبر ابنه واستقل بحياته، وها هو علي يصارع البقاء والتوازن من أجل من يعيش معه من أبنائه وبناته، في بيت صغير يحيط به شجر النخيل من ناحيتين وكأنها جنود الحدود في الزي البني يحمون مملكته، وتتربع شجرة الليمون في أقصى الشمال من حوش البيت، زرعتها زوجته بقناعة منها أنها ستستفيد من ثمرها في فترة الحصاد. فلماذا فكر في سيجارة؟ هل اختلطت شياطين أفكاره مع متطلبات زوجته وأولاده؟
في كل يوم نعيشه، تولد رغبة أو حلم، قد يكون أحيانا لشيء مفقود، لم يكن في الأصل جزءا من حياتنا، أو كحلم لا يتناسب مع أنماطنا، أو تكون رغبة لملء فراغ لم يجد ما يسده، يقول جول فيرن فنان «الروح تنظم الجسد، وهي خاضعة للتقلبات العادية»، لكن نحن من نصنع التوازن لهذه التقلبات، نحن من نقرر ما الذي يظل وما الذي يذهب، شخصا، فعلا، أو فكرا، فلا تجعل شياطين أفكارك تتحكم أو تغير مسار تدفق الحياة فقط لأنك قمت يوما وتمنيت سيجارة.