تحدثنا، الأسبوع الماضي، عن الثغرات الأخلاقية والمعرفة العميقة للقوانين، ليس لإقامة العدل، وإنما لخرق القانون وبالقانون، وخطورة تلك الثغرات على الفرد والمجتمع، وشرحنا كيف أن خطورتها تكمن في صعوبة الوصول لها وإصلاحها؛ لكونها مزروعة في ضمير الشخص، ولا تخضع للقوانين العالمية الموضوعة والمعروفة والواضحة، إنما لإرادة الشخص، صدقه مع نفسه، تمييزه بين الصواب والخطأ، نزاهته، وشعوره بالمسؤولية تجاه مجتمعه ورغبته في القيام بما هو صحيح، وبما يتوافق والصالح العام.
الثغرات الأخلاقية عند بائع السمك مثلًا بإمكانها تسريب الصدق من ضميره بخصوص طزاجة أسماكه؛ ليبيعها بسعر مرتفع على أنها صيد اليوم، وهي في حقيقة أمرها قد أكملت الأسبوع في حجرة التجميد لديه. أو وجودها في ضمير بائع الخضار الذي يضع الثمار الكبيرة واليانعة في الأعلى؛ ليبهر الشاري، والصغيرة المتعفنة في الأسفل.
وجود تلك الثغرات في ضمائر بعض مالكي المطاعم أيضًا يجعلهم يبيعون الطعام البائت من اليوم السابق على أنه جديد، وكأنه جُهِّز في لحظة طلبه.
وربما نعتبر تلك الأمثلة بسيطة وهيّنة، لكن ماذا لو وجدت تلك الثغرات في ضمير بائع عقار؟ وقد كثرت الثغرات الأخلاقية عند بائعي العقار هذه الأيام، فأصبحوا يبيعون الناس بيوتًا خيالية الأسعار واهنةً معرِّضين حياة البشر للخطر، بيوتًا ضعيفة تنهار فوق رؤوس ساكنيها من أول أسبوع.
وجود تلك الثغرات في ضمير معلم ستنتج جيلًا جاهلًا يبني مستقبلًا فاشلًا لوطنه. نفس تلك الثغرات في ضمير طبيب بإمكانها أن تودي بحياة البشر، ووجودها في ضمير قاضٍ بإمكانها أن تودي بحياة البشر وحقوقهم.
بعض الثغرات الأخلاقية تؤدي إلى أخطاء طبية تكون قاتلة، ولا تكتشف، وذلك لجهل أهل الضحية بالأمور الطبية. فيبقى ضمير الطبيب هو الحاسم والحاكم في تلك القضايا. ولا يفوتنا ذِكر المشاكل المترتبة على وجود تلك الثغرات عند القضاة: رشاوٍ، أبرياء داخل السجون، مجرمون طليقون، تخبيب زوجات وتدمير بيوت وغيرها.
وللقارئ تخيُّل تبعات وجود تلك الثغرات الأخلاقية في جميع مجالات الحياة، وعلى جميع الأصعدة؛ لتبقى القوانين الموضوعة ليست إلا كبناء سور الصين العظيم الذي لم يحمِ الصين، وذلك فقط لوجود ثغرات أخلاقية عن بعض البشر.
@Wasema