كل منا يحب أن يتصور أنه يملك معرفة تامة لهذا العالم الذي نعيش فيه، ويسلم بأن ما نراه ونسمعه وندركه بحواسنا هو الواقع، وأن الناس جميعهم يشتركون معنا في نفس هذا الواقع تقريبا، لكن هذا وهم من صنع عقولنا فما نراه ونحسه ونسمعه هو واقع يخصنا وحدنا (نسختنا الشخصية من الواقع)، بعبارة أخرى كل منا يرى الواقع بعدسته الخاصة التي تعطي مدركاته الأشكال والألوان.
في علم النفس تسمى هذه العدسة بالموقف وهو استعداد النفس للفعل أو رد الفعل بطريقة محددة.
خلال اليوم نتعرض لآلاف المنبهات والمثيرات في الوسط المحيط بنا وتختلف استجابتنا لها، بحسب التركيب العقلي والبينة النفسية والوضعية العاطفية، وكلما زادت حساسيتك تجاه مثير محدد زادت شدة الاستجابة،
هناك من يستجيب لمشاعر الحزن أو مشاعر الغضب أو العدوانية، الحب، الإثارة أو الخوف. وكل هذه الحساسيات تضاف إلى مزاجنا العام وسياقنا العاطفي لذلك يكون لدى كل منا طريفته الخاصة في النظر إلى الواقع والاستجابة له، فقد تهيمن عاطفة واحدة على موقفك أو عدد من العواطف.
موقفنا في الحياة له جذور محددة أولها الميول الوراثية التي ولدنا بها ثم التجارب الأولى وأنماط التعلق بالآخرين، التي تصوغ مواقفنا في الحياة فمنا من يستبطن صوت أمه وأبيه ويسكنهما باطنه حتى يصيرا جزءا منه، فلو كانا متسلطين كان هو أشد الناس قسوة وانتقادا لنفسه والآخرين، وتأتي بعد ذلك التجارب التي نعيشها خارج العائلة مع الأصدقاء والأقران والمعلمين وكلما زاد إعجابنا بشخص معين استبطنا شيئا من حضوره داخلنا، ومع تقدم العمر تترك التجارب السلبية والصدمات العاطفية آثارا كبيرةد فنغلق عقولنا تجاه أي شيء يمكن أن يحمل احتمالا بتكرار ذلك الألم، وهكذا تستمر مواقفنا بالتشكل تبعا لأحداث الحياة.
من الضروري أن تعرف موقفك الخاص وكيف يؤثر في مدركاتك، نحن لا نولد بذكاء محدود ولا بقيود متأصلة فينا، أدمغتنا صممت بشكل عجائبي لتضمن الارتقاء والتطور وروابطها العصبية توفر لك قوة إبداعية هائلة فلا تسمح لموقفك السلبي أن يحجب عنك قواك الحقيقة، إذا صعب عليك تحديد مدى إيجابية موقفك يمكنك مراقبته في حياتك اليومية، ويمكن أن تلتقط لمحات منه من طريقة حكمك على الناس، وطريقة استجابتهم في حضورك هل يشعرون بالأريحية أم أنهم انفعاليون ودفاعيون.
موقفك له قوة فائقة في حياتك فهو ما يحدد نظرتك إلى ذاتك وإلى الآخرين وإلى الحياة وأحداثها، بتغير موقفك يمكنك تغير حياتك والإمساك بخيوط اللعبة وتحرير عقلك من العواطف الوسواسية ضيقة الأفق والتحرر من الاستجابات الانفعالية لأقوال الناس وأفعالهم والتوقف عن استنساخ العواطف السلبية حولك، والانفتاح على تجارب وخبرات جديدة في الحياة وتبني موقف جديد يقوم على البهجة تستكشف فيه مشاعرك بفضول وتعيش فيها بحضور وتفهم رسائلها بتقبل، بذلك تغير عدستك وتخلي مساحتك الذهنية لأمور أكثر قيمة.
«أعظم اكتشاف اكتشفه هذا الجيل: هو حقيقة أن الكائنات البشرية يمكنها تغير حياتها بتغير مواقفها الذهنية». وليام جيمس
@wallagassim