بداخل كل منا يسكن قدر من الألم النفسي، اكتسبناه من الألم العاطفي في الطفولة أو الصدمات والتجارب المؤلمة خلال مسيرة حياتنا، هذا الألم الكامن يوجه ذكاءه نحو البقاء مثل كافة أشكال الحياة الأخرى، يتغذى ألمك على أفكارك السلبية وعلى المآسي في علاقاتك.
قد أصدمك بقولي إن بداخلك ثمة شيئا يسعى إلى التعاسة والسلبية وهذا الشيء يمثل الألم (الجزء المثقل عاطفيا من الأنا)، قد يبقى هذا الألم خامدا لأيام وأسابيع ثم يحدث شيء ما ويقوم بإيقاظه.
عندما تكون وحيدا قد يتحرك ألمك بفكرة سلبية تخلف وراءها مزاجا سوداويا ثقيلا، بعدها تسيطر العاطفة الناتجة عن الألم على أفكارك ثم تستحوذ على عقلك، فيبدأ صوتك الداخلي بسرد قصص حزينة عن الماضي أو سيناريوهات مخيفة عن المستقبل أو توجيه ضروب من اللوم والتذمر والاتهامات، عندما تتماهى مع هذا الصوت وتستسلم لأفكاره المشوهة وتصدق الألم الذي يدعي أنه أنت، فقد بدأت مسلسل التعاسة الذي سيستمر لساعات أو أيام قبل أن يرجع ألمك إلى خموده مخلفا وراءه جسدا منهكا معرضا للمرض والخلل الوظيفي في أي لحظة.
عندما يستيقظ ألمك العاطفي جائعا من جديد قد يدفعك إلى الضغط على شريكك في أكثر مناطقه النفسية ضعفا وهشاشة أو الاشتباك مع المحيطين واستفزازهم بتعرية نقاط عدم الأمان في ذواتهم فتستيقظ العدوانية الداخلية فيهم، ويلتحم ألمك العاطفي بآلامهم ويشحن كل منهما الآخر مما ينتج فصولا مدمرة وعنيفة من الألم قد تتكرر في مراحل منتظمة من عمر العلاقة ويؤثر ذلك على الأطفال الذين يعيشون في أسر تتحكم بهم كتل الألم ويغذونها بسلبيتهم فتنتقل منهم إلى أطفالهم وهكذا ينتقل الألم عبر الأجيال.
لذلك عندما تجد من تحب وقد غاب النور في عينيه وكأن سحابة قاتمة حجبت روحه التي تعرفها اعلم أن من يقف أمامك ويخاطبك الآن ليس الشخص الذي تعرفه، بل كتلة الألم التي تسكنه، فلا تنخرط في هذا الواقع المشوه بالكامل بفعل الخوف والغضب والعدوانية، ومارس الحضور بوعي في هذه اللحظة ولا تتماهى مع العاطفة التي تجعلك تفاعليا وتدفعك إلى تفجير الموقف ونسف المودة فتزيد من التعاسة في هذا العالم.
تختلف كمية الألم التي نحملها من شخص لآخر، لكن الأشخاص الذين يحملون الكتل الكثيفة من الألم يحولون المشاكل الصغيرة إلى مصائب، ينتظرون أي حدث ليتفاعلوا معه ويشعروا بالتعاسة حياله، يسقطون المهم على الأحداث والأوضاع نتيجة افتقارهم للوعي التام بالذات، يميلون إلى النزاع والصراعات وهم ماهرون جدا في صناعة الأعداء وحتى لو تحيزوا لقضية عادلة فإن امتعاضهم الدائم وما يتدفق عنهم من طاقة سلبية سيخلق معارضة متزايدة لقضيتهم.
@wallagassim